غريزة الافتراس بقلم ..محمد عبد الرحمن كفرجومى
روى والدي رحمه الله تعالى لبعض جلسائه وكنت حينها طفلًا صغيرًا شغوفُا بسماع قصصه، قال:
في عام من أعوام آخر النصف الأول أو في عامٍ من أعوام بداية النصف الثاني من القرن العشرين لا أدري الزمن بالضبط ؛ وفي قرية من قرى سهل الروج في الشمال السوري حدثت القصة التالية :
مرَّ أحد المزارعين على وكر ذئب فوجد جروَيْ ذئب رضيعين فأخذهما معه لتربيتهما معتقدًا أنهما مثل الكلاب إذا رعاهما فسيصبحان أليفين ويسرحان مع الغنم ويكونان معها في الحظيرة ليحرسا القطيعَ من الذئاب عندما يسرحُ و يحمياهُ من اللصوص عندما يُمْرحُ ، واستغرب الناس من فعله هذا لأن الطبع غلب التطبع والغريزة تسبق كل فعل..
لكن هذا المزارع لم يقتنع وربى صغيري الذئب على حليب غنمه إلى أن كبرا وصارا أليفين فعلًا وصارا يذهبان مع القطيع ويعودان معه حتى أن الأغنام ألفتْهما كذلك..
وفي ليلةٍ من ليالي الشتاء الباردة والمطر يهطل بغزارة والرعود تدوّي ؛ و المزارع نائمٌ في غرفته إذا به يسمع من الإصطبل ثغاءَ أغنامه عاليًا وكأنها تستغيث ، حمل فانوسًا وهرع إلى الإصطبل ليجد شيئًا عجيبًا مفجعًا وإذ بأكثر من نصف غنمه بين ذبيح وجريح ورأى بأم عينه كيف أن الذئبين المدلّلين يتعاونان في مسك كل نعجة واحدًا من أمامها وواحدًا من خلفها ويشرعان في تمزيقها بأنيابهما الحادة ، فجنّ جنون الرجل وأخذ سلاحًا ناريًّا وقتلهما ولكن بعد أن فات الأوان وخسر أكثر نعاجه التي كانت أكثرها حوامل ..
هذه القصة ذكرتني بقصة البدوية التي ربت رضيعَ ذئبٍ على حليب شاتها إلى أن كبر فأكل شاتها وفجعها فأنشدت تقول:
أكلتَ شويهتي وفجعتَ قلبي
وأنت لشاتنا ولدٌ ربيبُ..
غُذيت بدَرِّها ورُبيت فينا
فمن أنباك أنَّ أباك ذيبُ؟!
إذا كان الطباعُ طباعَ سوءٍ
فلا أدبٌ يفيد ولا حليبُ..
سبحان الله.. كلٌّ ميسّرٌ لما خُلِقَ له والغريزة لايمكن أن يغيّرها أحدٌ في أي مخلوق إلا الله تعالى..
رحم الله والدي الذي كان يروي لجلسائه قصصًا فيها من العبر الكثير.
فلايمكن أن تكون طباع الذئب كطباع الكلب.. فالذئب مفترسٌ ولصٌّ غدّارٌ والكلبُ وفيٌّ وحارسٌ أمينٌ .
صدق المثل الشعبي السوري الذي يقول:( ياطالب الدبس من دبُرِ النمس صار فيك اليوم مثل ماصار مع غيرك أمس)…!!!
الشاعرمحمد عبدالرحمن كفرجومي .
السبت ١٤٤٤/٨/١٢هج. ٢٠٢٣/٣/٤م.
التعليقات مغلقة.