” فأؤوا إلى الكهف ” رخصة للمؤمنين في أزمنة الغُربة .
” فأؤوا إلى الكهف ” رخصة للمؤمنين في أزمنة الغُربة .
بقلم : أشرف خاطر
أصحاب الكهف بإمتثالهم لأمر الله سبحانه وتعالى : ( فأؤوا إلى الكهف ) كان بمثابة رخصةً لهم ، لكي يحفظوا دينَهم في زمنِ غربةٍ لم يجدوا فيه على الحق أعواناً ، قال تعالى : ( وإذ اعتزلتموهم ومايعبدون إلا الله فأؤوا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويُهييء لكم من أمركم مرفقاً ) الكهف ١٦
ولكن يارب ماهي مظاهر بسط رحمتك لهم إذ اعتزلوا قومهم وآوا إلى الكهف ، وهم نيام لاحول لهم ولا قوة ، لا يستطيعون أمراً بمعروف أو نهياً عن منكر ؟ وقد قلت وقولك الحق : ( وتحسبهم أيقاظاً وهم رقودٌ ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسطٌ ذراعيه بالوصيد لو اطَّلَعْت عليهم لوليّت منهم فراراً ولمئلت منهم رعباً ) الكهف ١٨
رحمة الله بأصحاب الكهف سترتهم عن قومهم إذ اعتزلوهم وحافظوا على توحيدهم لله رب العالمين وحفظوا دينهم من الظلم حتى بعثهم الله ليعلم القاصي والداني بأن وعد الله حقٌ وأن الساعة لا ريب فيها وعثروا عليهم وتنازعوا في امرهم وقال من لهم السطوة ابنوا عليهم مسجدا قال تعالى : ( وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها إذ يتنازعون بينهم أمرهم فقالوا ابنوا عليهم بنياناً ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجداً) الكهف٢١، فكانت بمثابة هجرة بدينهم في كهفٍ آواهم إلا أن هجرة سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى يثرِب ، ولجؤه صلى الله عليه وسلم الى غار ثور بصحبة أحب الرجال إليه سيدنا أبو بكر الصديق ، فكانت قصة غار ثور أشرف وأجّل وأعظم وأعجب من قصة أصحاب الكهف لأن الله كان بمعيّة رسوله وصاحبه ، قال تعالى : ( إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني إثنين إذ هما بالغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إنّ الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيدّه بجنودٍ لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا هي السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيزٌ حكيم ) التوبة ٤٠ ، هجرته صلى الله عليه وسلم تميزت عن هجرة أصحاب الكهف بأن هجرته صلى الله عليه وسلم أثمرت دولة الاسلام بالمدينة المنورة بفضل من الله ورحمة على أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم حيث كانوا قبل الهجرة قلةً فأكثرهم الله ، قال تعالى : ( واذكروا إذ أنتم قليلٌ مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدّكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون ) الأنفال ٢٦ ، وقوله( فآواكم )يعني : المدينة المنورة ، وقوله ( وأيدكم بنصره ) بالأنصار . لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ ( لا تسبوا أصحابي ، فَلَو أن أحدكم أنفق مثل جبل أحد ذهباً مابلغ مُدّ أحدهم ولا نصيفه ) وهذا الحديث لا يتعارض مع حديث أبي ثعلبة عند الترمذي ( ٣٠٥٨) قال صلى الله عليه وسلم : ( إنّ من ورائكم أياماً الصبر فيهن مثل القبض على الجمر للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم قال عبدالله بن المبارك وزادني غير عقبة : قيل يارسول الله اجر خمسين منا أو منهم ؟ قال بل أجر خمسين منكم . ) ووّفق أهل العلم بين الحديثين فقالوا بان جميع أعمال السابقين من الصحابة اكثر اجوراً وأعظم ثواباً الا عملاً واحدا وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن المتأخرين من المسلمين يعيشون زمن الغربة لهم عليه من الأجر مايفوق أجر الصحابه عليه ، لأنهم لا يجدون على الحق أعواناً . وقال صلى الله عليه وسلم : (طوبى للغرباء .)، فكان الإنفاق في أول الاسلام افضل والسبب ان تلك النفقة أثمرت في فتح الاسلام وإعلاء كلمة الله مالا يثمر غيرها ، وَمِما يحفظ قدر الصحابة الكرام أن زيادة الأجر لا يستلزم ثبوت الأفضلية المطلقة ، فإن عملنا عملا في زماننا هذا زمن الغربة كان الصحابة يعملون مثله وننال عليه أجراً مضاعفاً خمسين ضعفاً عما كان يناله الصحابة فهذا سببه ان الصحابه وجدوا على الخير أعواناً وكان بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل : ( لن ينجّي أحداً منكم عمُله، قالوا ولا أنت يارسول الله ؟ قال ولا أنا إلا ان يتغمدني الله برحمةٍ ، سددوا وقاربوا واغدوا وروحوا وشيءٍ من الدلجة والقصد القصد تبلغوا . )، قال ابن عيينه : كانوا يَرَوْن النجاة من النار بعفو الله ودخول الجنة بفضله واقتسام المنازل بالاعمال ،قال عليه الصلاة والسلام في زمن المعاصي والفتن : ( أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابكِ على خطيئتك ) .
عاد الاسلام غريباً وأصبحنا كغثاء السيل ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال ذكر رسول الله الفتنة فقال : إذا رأيتم الناس مرجت عهودهم وخفت أماناتهم وكانوا هكذا وشبّك بين أصابعه قال فقمت اليه فقلت كيف افعل عند ذلك جعلني الله فداك قال : ( الزم بيتك وأملك عليك لسانك وخذ بما تعرف ودع ما تنكر وعليك بأمر خاصة نفسك ودع عنك أمر العامة ) .
وكأن ( فأؤوا الى الكهف ) رخصة من فقد الأمن والأمان في كل عصر وزمان وخاف على الأبدان والأديان ونقولها لأقرب الجيران كما قال تعالى ( فأؤوا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهييء لكم من أمركم مرفقا ) الكهف ١٦ ، وَإِنَّ الله يُحبّ أن تُؤتى رخصه .
أدام الله علينا الأمن والأمان ، وحفظنا الرحمن من تقلبات الزمان ، اللهمّ آمين .
التعليقات مغلقة.