فجوات الهوية بقلم.. سيد جعيتم
أرقب الشمعة الوحيدة؛ تحترق تذبل شعلتها الواهية ودموعها تنساب وتتجمد أسفلها، خلف ضوئها الخافت ظلام دامس وأشباح تتراقص على الحائط.تتحشرج أنفاسي تحت وطأة أكداس من الألم تغذيها تضارب أفكاري، انتبه أني على شفا حفرة يكسو قاعها شفرات حادة.بيد مرتجفة أشعل من ضوء الشمعة قبل أن تخمد سيجارة، التهم دخانها بعمق فتزيد من ضيق صدري، أنفثه ببطء وأرقب حلقاته المتصاعدة في هدوء أفتقده.ـ واجه نفسك، لا تستسلم لإرادة غيرك، أصرخ إن أردت أخرج مشاعرك القيها في وجوه الآخرين.كانت هذه نصيحة الطبيب بعد نوبة من الهياج الهستيري انتابتني، وأشعر بأعراضها قادمة، الهدوء البادي على ينذر بعاصفة قادمة، رعشة أسفل عيني اليسرى تتسلل لنصف وجهي.سارعت باحتضاني، بكيت على صدرها، تسلل أمان قلب أمي إلي.نهضت مرهقًا يؤلمني جفاف حلقي، أحاول فك عضلاتي المتقلصة، أفرغت ما في معدتي.ـ متى تكف عن الشراب، يتملك منك فتصير عربيدًا، لم تعد من أحببت وتزوجت.صمتُ خجل، حرصت ألا تلتقي عيني عينها، سقط عني قناعي وسرت عاريًا أمام نفسي والجميع.ارتدي مرغمًا ثوب الحياء، أتجنب أن انهزم، ابتعد عن المشاكل والصراعات واحرص أن تطل من وجهي بسمة، أغض الطرف عن الإساءة، أُكابد لأخفي بركانا مشتعلا بداخلي، كل ما أريده أن يمر يومي بسلام.يسألني سؤاله المعتاد عن رأي في القهوة التي يعدها لي، أبش في وجهه وأثني على مهارته مع أنها لم تعجبني يومًا.أحلامي تفوق مقدرتي على المواجهة، انتظر الحلول ولا أتخذ موقفا حازما خشية الندم.طيف يسعى للثورة يغزونييتنافر مع عقلي يتبارى مع ساكنه ينافسه للسيطرة والتحكم، لا يخمد عراكهما إلا بعد قطع الاتصال بين عقلي وأفكاري فأتوه بين الظلام والنور.ذهبت للطبيب لأستفيق من إحباطي وتضرر صحتي النفسية.يغوص الطبيب في أعماقي؛ يلوي عنق مقاومتي؛ يغافلني ليمسك بأفكاري، عاد بي لطفولتي؛ يستحضر ما ترفضه ذاتي الواعية من بين فجوات الذاكرة.بقلب طفل بريء لا يعرف معنى الظلم أقف في جرن القرية أمام دوار العمدة الخفر يسحلون أبي، يضربونه بشدة والعمدة يهدد ويجعله مثلًا لمن يخالفه، وقعت عباءته؛ جسده مثخن بالجراح، تتكوم أمي فوقه ينالها من الأذى الكثير، خالتي تضع راسي الصغير في حضنها تخفي عني لكن ما أستوطن عقلي.ربت الطبيب على يدي،ظللت أبكي أبي والدماء تنزف منه.في الصباح، قلت له إن قهوته سيئة، اعترضت على ما لا يعجبني، توحدت صفاتي، لم أتناول الشراب ليلًا.
التعليقات مغلقة.