فرحةُ العيدِ مِن منظورٍ علمي/مقال طبي بقلم د.صبحي زُردق.
إن للعيد بكل ما فيه من بهجةٍ و فرحٍ و لقاء الأحبة و الإخوة و الأصدقاء و زيارة الوالدين في بيت العائلة فوائد و تأثيرات إيجابية عديدة للنفس و الروح و البدن من المنظور العلمي.
وقد درس العلماء التأثير الإيجابي للسعادة و البهجة على الإنسان و صحته تحت مسمى ” علم الأعصاب الخاص بالسعادة ” Neurosience of happiness فوجدوا أن لمشاعر البهجة و السعادة العديد من الفوائد نسردها فيما يلي:
١-هناك دراسات تقول أن الشعور بالسعادة و البهجة تمنح الإنسان صحة أفضل ، وأن السعادة و الصحة يسيران في دائرة مغلقة فالصحة تمنح السعادة و السعادة تمنح الصحة .
٢-الشعور بالسعادة و الفرحة هو من المشاعر الإيجابية ، و المشاعر الإيجابية تستطيع أن تزيح أى مشاعر سلبية و طاقة سلبية لدى الإنسان( مثل الشعور بالخوف و القلق و الحزن و الغضب) و ذلك لأن الشعور بالسعادة يخفض من مستوى هرمونات الإجهاد بالجسم ( هرمون الادرينالين ، و هرمون الكورتيزون) بنسبة ٢٣%
٣-مشاعر السعادة تخفض من معدل ضربات القلب و ضغط الدم المرتفع.
٤-السعادة و البهجة تقوي من عمل جهاز المناعة ،و بالتالى الشفاء السريع من نزلات البرد مثلاً.
٥-مشاعر السعادة تقلل من حدة الآلام بالجسم خاصةً الآلام الروماتيزمية المزمنة بالمفاصل و العضلات.
٦-مشاعر السعادة تُحفز الشخص على النوم الجيد و بالتالي يصبح الشخص نشيطاً ملىء بالطاقة حسن المزاج.
٧-مشاعر السعادة تُحفز الهضم الجيد لأنها ترفع من عمل الجهاز العصبي الباراسمبثاوي المختص بحركية الأمعاء و افراز الحامض المعدي.
و من فوائد فرحة العيد و إجازة العيد كسر حالة الرتابة و الملل الناشىء عن روتين الحياة اليومية و الضغوط و المشاكل المعتادة في الشارع و العمل .
*في العيد احذر من أشياء
و لأن العيد فرحة و بهجة فلا تفسدها بأشياء قد تعكر صفو تلك الفرحة ، لذا علينا بالبُعد عن أخطاء وسلبيات عديدة قد تضرنا أيام العيد مثل:
١-السهر الزائد إلى قرب الفجر و إلى الصباح ، لأن السهر الزائد سوف يؤدى إلى اضطراب ما يُسمى عِلمياً بدورة “النوم – اليقظة ” Sleep- wake cycle التى تضطرب نتيجة اضرار السهر بما يُسمى علمياً بــ”النظام اليوماوي”Circadian rhythm المبني على انتظام الساعة البيولوجية في الدماغ ، حتى إذا انتهت إجازة العيد دخل الإنسان في حالة سيئة تُسمى طبياً بــ ” متلازمة الحرمان من النوم” Sleep deprivation syndrome حيث يشتكي الشخص من الصداع و الدوار الحركي و عدم التوازن و فقدان الشهية و الشهوة و المزاج العكر و العصبية لأتفه الأسباب و التعب و الإجهاد و قلة النشاط و صعوبة التركيز و الإنتباه و غيره . و العلم يقول أن ساعة واحدة نقص في النوم لا تعوض إلا في ٤ أيام.
٢-الاسراف في الطعام : في أيام العيد نهتم بالطعام و الشراب كثيراً و هو أحد أسباب السعادة في العيد، و لكن ابتعد عن ملىء المعدة و اعمل بقاعدة ” ثلث لطعامك و ثلث لشرابك و ثلث لنَفَسك ” حتى لا تصاب بالتلبك المعوي و المغص و زيارة المستشفيات و حتى لا يؤثر ذلك على مستوى الأوكسجين بالدم فتتأثر جميع وظائف الجسم على رأسها المخ .
العيد فرصة للتسامح و الصفح
باتصال هاتفي أو رسالة نصية ترسلها إلى من تخاصمه تستطيع أن تكسب وده و محبته للأبد ، قال تعالى (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)فصلت ٣٤، خاصة إن كان من تخاصمه من الأهل و الأحباب و ذوات صلة الرحم ، أو الأصدقاء أو الجيران ، و فوائد إنهاء حالة الخصام و الشحناء و العداوة بينك و بين الغير عديدة :
١- بالتصالح و التسامح يعم السلام كل النسيج المجتمعي و يعم الناس حالة من التعايش و الوئام و هو ما ينعكس على الصحة النفسية للفرد.
٢- هناك في الغرب نوع من العلاج يُسمى طبياً بالعلاج بالعفو Foregivness Therapy ابتكروه لعلاج بعض الحالات المرضية و أثبت فعاليته في بعض الأمراض مثل” الألم العصبي العضلي الليفي” Neurofibromyalgia .. و أثبت العِلم أن الصفح و العفو عن الناس مفيد لصحة النفس و البدن و ذلك لأن عدم العفو و تراكم الشحنات السلبية في النفس جراء الخصام و العداوة يؤدى إلى نشأة ضغط عصبي من النوع المزمن Negative stress و الذى يُعد من أكثر أنواع الضغط العصبي سُمية للنفس و البدن، لمـــاذا ؟ لأنه يستطيع أن يُثبط وظائف عديدة بالجسم مثل: وظيفة الانجاب و وظيفة الغدة الدرقية و افراز هرمون النمو GH ووظيفة الهضم ووظيفة المناعة و التئام الجروح ، و لأنه يستطيع أن يسبب تفاقم بعض الأمراض مثل داء السُكري ، و داء الضغط المرتفع….. و بالتالي فإن الإنسان العافي عن الناس هو أول المستفيدين من عفوه ، لأن العفو يجنبنا كل تلك المخاطر الصحية.
كما أن عدم العفو يؤدي إلى الكبت النفسي و اجترار الأفكار اللذان قد يؤديان إلى مرض الاكتئاب النفسي و الدخول في طريق الإدمان و اضطرابات القلق و بعض الأمراض العضوية مثل مرض القولون العصبي.
أهمية زيارة الوالدين في العيد
قال تعالى (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) النساء ٣٦ – و من البر بالوالدين زيارتهما في الأعياد لأنهما برؤيا ابنائهم تدخل البهجة على قلوبهم و معروف أنه من أحب الأعمال إلى الله ادخال السرور على مسلم، ما بالنا بالأبوين .
و قد لاحظ العلماء وجود ظاهرة لدى الوالدين تُسمى “ظاهرة العُش الفارغ” Empty nest syndrome تحدث لهما أو لأحدهما نتيجة خلو المنزل من الأبناء سواء نتيجة العمل بالخارج أو لأسباب مثل الزواج ، حيث يعاني الوالد أو الوالدة من مشاعر سلبية عديدة مثل: الشعور بالفراغ و الوحدة القاتلة و الشعور بالقلق و الخوف على الأبناء أو على أنفسهم مع الشعور بالشوق الجارف للأبناء ،و الشعور بجحود الأبناء ،و الشعور بفقدان أهمية الذات و انتهاء المهمة و قرب الموت، و أن الحياة أصبحت بلا معنى و لا قيمة، بل و تتحول ذكريات الماضى الجميل مع الأبناء و هم صغار إلى عذاب يطاردهم في كل لحظة و في كل زاوية من المنزل، و هى المشاعر التى قد تؤدي في النهاية إلى داء الاكتئاب النفسي و القلق و اضطراب النوم و اضطراب الهضم و تدهور الصحة العامة.
و قد اكتشف العلماء العديد من الأثار السلبية لحالة الشعور بالوحدة و التى منها : أن الوحدة هو الشعور الرئيس في الإصابة بالأمراض العقلية ، و أثبتوا أن من يعيش وحيداً يتعرض بشكل أكبر للإصابة بارتفاع ضغط الدم و مرض السرطان ، بل و أثبتت الأبحاث أن الشعور بالوحدة قد يكون أسوأ من تأثير التدخين على الصحة، و أن الوحدة قد تكون سبباً في تسريع الدخول في الشيخوخة أو الإصابة بداء السمنة Obesity.
و من هنا ننصح من لا يعيشون مع الوالدين بعدم نسيان الزيارات المتكررة للوالدين أحدهما أو كليهما لأن ذلك سوف يكون بالنسبة لهم ترياق عافياً و بلسماً شافياً وواقياً من العديد من العلل و الأمراض النفسية و البدنية .
و ختاماً نجد أن العيد بفرحته و بهجته و ملابسه الجديدة و طعامه الشهي و زيارة الأهل و الأقارب و العفو عن المسىء يقدم لنا انطلاقة جديدة واحياء لما قد مات فينا و تجديد للنشاط و الهمة و الإرادة و يخلصنا من الرتابة و الحزن و القلق والشعور بالملل الناشىء عن الروتين اليومي المعتاد ، فهو فرصة عظيمة للترويح عن النفس ،و إعادة ترميم العلاقات المدمرة ،و العيش بسلام في مجتمع يملأه الحب و التسامح.
أهلاً أهلاً بالعيد …. كل عام و حضراتكم بخير
التعليقات مغلقة.