فضل القرآن الكريم …بقلم / محمــــد الدكـــرورى
القرآن كلام رب العالمين تكلم به حقيقة بحرف وصوت مسمُوعَين، منه بدا وإليه يعود في آخر الزمان، سمِعَه جبريل عليه السلام خير الملائكة من الله، ونزل به على خير الرسل في أشرف البِقاع، وفي خير شهر، وفي خير الليالي ليلة القدر، لخير أمة بأفضل لغة وأجمعها.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فقرأ عليه القرآن، فكأنه رق له، فبلغ ذلك أبا جهل، فأتاه، فقال: يا عم، إن قومك يرون أن يجمعوا لك مالًا ، قال: لم؟ قال: ليعطوكه، فإنك أتيت محمدًا تتعرض لما قبله، قال: قد علمت قريش أني من أكثرها مالًا، قال: فقل فيه قولًا يبلغ قومك أنك منكر له، أو أنك كاره له، قال: وماذا أقول؟ فوالله، ما فيكم من رجل أعلم بالأشعار مني، ولا أعلم برجزه، ولا بقصيده، ولا بأشعار الجن مني .
والله، ما يشبه الذي يقول شيئًا من هذا، والله، إن لقوله الذي يقول حلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو وما يعلى، وإنه ليحطم ما تحته، قال: لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه ، قال: فدعني حتى أفكر، فلما فكر، قال: (هذا سحر يؤثر) يأثره عن غيره، فنزلت: ذرني ومن خلقت وحيدًا.
وإن هذا القرآن يسره الله لنا فهو حبل الله المتين وصراطه المستقيم من تمسك به نجا ومن أعرض عنه هلك، فلا ينجو من عذاب الله ولا يفوز برحمة الله إلا من تمسّك بهذا القرآن العظيم الذي بين أيدينا، ويسره الله وسهله علينا وأمرنا بالعمل به والتمسك به، فيه الهدى والنور، وفيه الشفاء، وفيه الرحمة، وفيه الهداية .
ويقول الإمام علي رضي الله عنه في وصف القرآن: (اعلموا أن هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغش، والهادي الذي لا يضل، والمحدث الذي لا يكذب، وما جالس هذا القرآن أحد إلا قام عنه بزيادة أو نقصان، زيادة في هدى ونقصان من عمى ) .
وهذا القرآن الكريم ، هو كتاب الله، يحفظه الكبير والصغير ويحفظه الرجال والنساء ميسر ، وعذب اللفظ لذيذ التلاوة، خفيف على اللسان، نور للقلب، وطريق إلى الله سبحانه وتعالى، فأي نعمة أكبر من هذه النعمة، ويكفي أنه كلام الله عز وجل ، ولا يتطرق إليه شك، ولا تدور حوله شبهة، لأنه كلام رب العالمين سبحانه وتعالى، ولمّا زعم الكفار أن هذا القرآن من كلام محمد وقالوا هذا من قول محمد صلى الله عليه وسلم ، وليس هو كلامَ الله .
فتحداهم الله عز وجل ، بأن يأتوا بمثله إن كانوا صادقين، ورسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، بشر مثلكم فأتوا بكلامٍ مثل هذا القرآن إذا كان من كلام محمد فإنكم لا تعجزون أن تأتوا بمثله لأنه بشر مثلكم، تحدى الله الجن والإنس أن يأتوا بمثل هذا القرآن ، وقال لهم ادعوا من تريدون من البشر من الفصحاء ومن البلغاء ومن الشعراء ومن الجن والإنس ادعوهم يساعدونكم ، لأن كلام الله لا يمكن أن يُضاهى أبداً، ثم إنه سبحانه وتعالى ، تحداهم أن يأتوا بسورة واحدة من أقصر السور .
والقرآن الكريم ، يذهب ما في القلوب من أمراض الشك والنفاق، والشرك والزيغ، وبه يحصل الإيمان والحكمة، وليس هذا إلا لمن آمن بالقرآن وصدقه واتبعه وعمل به ، وقال العلماء: الشفاء في القرآن ثلاثة أنواع ، فمنه الشفاء من أدواء الشبهات والشهوات ، والشك والريبة ، فهو شفاء لما في الصدور .
الله سبحانه وتعالى كامل في ذاته وأسمائِه وصفاتِه، لا كُفو له ولا مثيل، وصفاتُه أكمل الصفات وأحسنُها، ومن صفاته عز وجل، الكلام، ويتكلَّم متى شاء، وإذا شاء، وبما شاء، ولا مُنتهى لكلماته ، وكلامُه أحسنُ الكلام، وفضلُ كلامه على كلام الخلق كفضلِ الخالقِ على المخلُوق، وآلاؤُه عز وجل على العباد لا تُحصَى ، ومن حكمة الله ورحمته بهم أن بعثَ فيهم رُسُلَه وأنزل عليهم كُتُبَه، فأنزل التوراة والإنجيلَ والزبُور وصُحف إبراهيم وموسى، وختمَها بالقرآن العظيم أعظمها فضلاً وأشرفها قدرا.
وإن القرآن الكريم ، شفاء لأمراض البدن بأنواعها ، فانظر مثلاً إلى ابن عباس رضي الله عنه كيف تلا القرآن على الذي كان به داء الرعاف وكتب على جبينه آيات من القرآن فشفى الله جل وعلا ذلك المريض ، وهكذا القرآن فيه شفاء للأمراض البدنية ، ومن أنواع الشفاء بالقرآن الشفاء من الأمراض النفسية، ومن عين الإنس وعين الجن ومن السحر ، وقد أمر النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أن يُرقى بعض أولاد جعفر لما رأى فيهم من أثر العين.
وهو المعجزة العظيمة التي آتاها اللة عز وجل ، لرسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، والتي تبقى إلى قيامِ الساعة التي بَهَر الله سبحانه وتعالى بها ، الأولين والآخرين وأعجزت البُلَغاء، وحيرت الشعَراء، وأذلت كثيرا من الحُكماء ، والتي لا تزال إلى اليومِ لها أثرها على من يَفهَمون العربية ومن لا يَفهمونها، تلك المعجزة ، وما يَكفيهم القرآن ليكون حُجة، وتصديقا ومعجزة ، وبينه تبين إنك نبي مبعوث من الله عز وجل ، ومن اله في السماءِ، ولِذلَك جعل الله سبحانه وتعالى هذا القُرآن مُعجِزَة ظاهرة تَبقى للناسِ جميعا وتُتلى بَينَهم.
وهذا القرآن، شفاء لما في الصدور من أمراض الشهوات الصادة عن الانقياد للشرع، وأمراض الشبهات القادحة في العلم اليقيني، فإن ما فيه من المواعظ والزواجر، والترغيب والترهيب، والوعد والوعيد، مما يوجب للعبد الرغبة والرهبة ، فالهدى هو العلم بالحق والعمل به، والرحمة هي ما يحصل من الخير والإحسان، والثواب العاجل والآجل، لمن اهتدى به.
فالهدى أجل الوسائل، والرحمة أكمل المقاصد والرغائب، ولكن لا يهتدي به، ولا يكون رحمة إلا في حق المؤمنين ، وإذا حصل الهدى، وحلت الرحمة الناشئة عنه، حصلت السعادة والفلاح، والربح والنجاح، والفرح والسرور، والغبطة والحبور، ولذلك أمر تعالى بالفرح بذلك ، الذي هو القرآن، الذي هو أعظم نعمة ومنة، وفضل تفضل الله به على عباده ، من متاع الدنيا الزائل، ولذاتها الفانية .
وهذا هو كتاب الله فيه السلامة من الفتن، وفيه النجاة من النار، وفيه السعادة الأبدية، وفيه الخير كله، وهو بشير ونذير وهدى ونور، يشرح الله به الصدور، وينير به البصائر، فهو كتاب الله ، وكلام الله جل وعلا الذي هو خير الكلام وأصدق الكلام، تنزيل من الله، تكلم الله به ونزّله بواسطة جبريل إلى رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم .
وبلّغه محمد صلى الله عليه وسلم لأمته، وأمته تتناقله جيلاً بعد جيل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فإذا حصلت فتنة أو وقع نزاع بين الناس فإن هذا القرآن يُنهي الخصومات ويُنهي الإشكالات، ويقضي على الفتن، ويوضح الطريق للمؤمنين، به السلامة والنجاة من فتن الدنيا وعذاب الآخرة، فهو نعمة من الله سبحانه وتعالى.
ولا شك أن الكل إلى الموت صائر، وللقبر ساكن وزائر ، وإذا ما مات الإنسان انقطع عمله، وانمحى من الدنيا اسمه، ونسي ذكره ورسمه، وصار ماله لغيره، فسكن داره، وأكل خيره ، وأما هو الذي مات ، ففي القبر مسكنه، وتحت الأرض مدفنه ، وكان على ظهر الأرض يتحرك ويدب دبيبا، فصار في باطنها ما به من حَراك ، وكان فوق الأرض وقد كثر حوله الناس، ما بين صاحب وصديق، وقريب ورفيق، هذا يضاحكه، وذاك يمازحه، وآخر يؤانسه
فصار في قبره وحيدا فريدا، حيث لا أنيس ولا جليس ، وكان على ظهر الأرض يضاحك زوجته ويداعبها، ويمازح ابنته ويلاعبها، فصار وحيدا في باطنها ، وكان فوق الأرض يأكل ما لذَّ وطاب، ويتمتع بالطعام والشراب، يتطيب بالمسك، ويتزين بجميل الثياب، ويزيل ما علق به من غبار وتراب، فصار في باطن الأرض تحت التراب، يتلذذ الدود بأكله، وتستمتع الهوام بلحمه ، فبموت الإنسان ينسى، وبدفنه وقبره ذكره يمحى.
وأن هناك من عباد الله من يزال يذكر، وعند ذكره يدعى له ويشكر، فيحيا اسمه بعد موته، ويبقى ذكره بعد دفنه، وهؤلاء ما بين نبي ورسول، وعالم ذي عمل وعلم مبذول، وولي صالح متبع للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، فما أن يذكر أحدهم حتى يقال: صلى الله عليه وسلم، أو رضي الله عنه، أو رحمه الله.
وهم الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، من أولهم وهو آدم أبو البشر وحتى آخرهم خير البشر النبى الكريم محمدٍ صلى الله عليه وسلم، والذي مر على موته ما يزيد على أربعمائة وألف من السنين، وما زال ذكره صلى الله عليه وسلم يملأ الأسماع، وتلهج عليه الألسنة بالصلاة والسلام، كلما ذكر اسمه وكتب، وكذلك الحال مع سائر إخوانه من النبيين والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم .
وكثير من الناس هجر القرآن، والهجر هو الترك، أي تركوا القرآن، وتركوا القرآن، يعني لا يقرؤونه، ولكن ليس الترك هو عدم القراءة فقط، فالهجر يكون الهجر للتلاوة وهجر التدبر، فبعض الناس يقرأ القرآن ربما يختم الختمات الكثيرة في اليوم والليلة وفي الشهر والأيام يردد القرآن لكن لا يتدبره وإنما هي ألفاظ تجري على لسانه فقط بدون أن يتدبرها وأن يراجع تفسيرها وأن يعرف معناها مع أن هذا واجب عليه .
وهناك هجر العمل، فقد يكون الإنسان يتلو القرآن ويحفظه وربما يحفظه بالقراءات العشر وربما أنه يحفظه ويتدبره ويعرف التفسير لكنه لا يعمل به، ويهجر العمل بالقرآن، وهجر العمل، والعمل هو الغاية وهو المطلوب، تعلم القرآن وتلاوة القرآن والتدبر هذه وسائل، والغاية والمطلوب هو العمل، فعلى حامل القرآن وكل مسلم يحمل القرآن أو يحمل بعضه عليه أن يتدبر القرآن، عليه أن يتلو القرآن، وأن يعمل به عليه أن يحفظ القرآن ويتلو القرآن وعليه أن يتدبره وعليه أن يعمل به، وإلا فإنه سيكون هاجراً للقرآن .
فعلى كل مسلم على حسب مسؤوليته في هذه الحياة أن يعمل بالقرآن حاكماً ومحكوماً، ذكراً وأنثى، عالماً، متعلماً، جاهلاً، كلٌ عليه أن يتعامل مع هذا القرآن ليلاً ونهارا لأنه هو الطريق الصحيح إلى الله سبحانه وتعالى فهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو صراط الله المستقيم، هو الحجة، حجة لك أو عليك، هذا هو كتاب الله، هذا هو القرآن، علينا أن نعرف قدره، وأن نعمل به، وعلينا أن نُجله، وأن نُعظّمه وأن نعمل به آناء الليل وآناء النهار .
وأن نُكثر من تلاوته، نُرطب ألسنتنا بتلاوته، نُنير صدورنا وقلوبنا بالقرآن، نُنور بيوتنا بالقرآن وتلاوة القرآن بدلاً من الأغاني، بدلاً من المحطات والفضائيات والغوغاء والكلام السيء، يكون تلاوة القرآن يصدح في البيوت منا ومن أولادنا ونسائنا ومن المحطات التي تتلو القرآن نفتح عليها ولا نفتح على الأغاني ونفتح على الفتن ونفتح على الهرج والمرج ونفتح على الشرور التي تموج في الناس .
وإن الذين يضيِّعون أوقاتهم وجهدهم، ويستسلمون لأفكار بشرية، وينبهرون بأطروحات عقلية قاصرة، يظلمون أنفسهم، ويظلمون هذا الدين إن كانوا من أتباعه، إن أردت يابن الإسلام ، الحق صرفًا، والعلم ناصعًا، والخبرة محكمة، فعليك بالقرآن، ولا بد لك منه ، وإن أردت ، يابن الإسلام ، أن تكون ابن الإسلام حقًّا، رضعتَ علومه، وتغذَّيت على أفكاره، ونَبَتَّ على شواطئ أنهاره، وقوي ظهرك، واستوى عودُك على عقائده، فارجع إلى القرآن ، ليكون زادك نعم الزاد.
التعليقات مغلقة.