فقاقيع ..بقلم.. عصام الدين محمد أحمد
فقاقيع
استيقظت السادسة إلا ثلثاً، المنبه لا يرن مُنذ أربعة أيام.
الولدان يغطان في النوم، ولابد من نشوب معركة حامية حتى ينهضا، فاليوم استئناف الدراسة.
مر العيد وفات دون ذكريات.
أصيح عليهما، لا أحد يتقلّب على الفراش.
زوجتي دائماً تٌنقذني من هذا البلاء، ولكنها غافية، تستحلب النعاس، هرب العيد، أودعني التخاريف ، تنثال على ذهني أشياء، وكأن اليقظة في صُحبة المعسل لها مدلول ومذاق، يا عم لا تنس الأولاد، أهز أحمد في رتابة، يستعذب الكرى ، أجذبه بعُنف، يتكاسل، ربابة الشاعر تتماهى :
يا ( أبو ) العين الكحيلة، والذبيبة الجميلة .
أنت اليوم في ضيقة وما باليد حيلة ·
يرفع رأسه من فوق الوسادة، ينثني، يتثائب، يجلس، يدفع بيديه المستندتين على المرتبة جسده المتقوس، يستوي قائماً، ينزل.
في الذهن تصفيق حاد، ضجيج وتهليل، لواقط الصوت تنقل على الهواء أزيز الحدث ونبرات الزهو، وأبو زيد بن رزق بن نايل الهلالي يبقر بطن السماء بسيفه الباتر ولسانه ينثر الأهازيج :
أنا في الحرب عزم لا يلين .
حملي ناءت به الغرايب ·
في القلب هم لا يهين ·
ورسمي في الغرايب ( الغُر … آيب )
صحا الولد أحمد، لم يغسل وجهه، ارتدى سرواله وقميصه.
ومحمد أفندي ما زال فوق الكنبة بائتاً، أصيح عليه صيحة الزهقان :
قم يا ألعوبان … يا حبهان من غير مستكة .
يُعافر جنود النعاس، يشيل الرمص من موق العين، الولد محمد أفندي يغسل وجهه بالماء والصابون والشامبو ومعجون الأسنان .
والآن محمد وأحمد صاحيان.
وفي الشارع سائران .
وفي المدرسة تدُق الطبول ومُدرس الألعاب يُنظم الطوابير والولد محمد أفندي يقرأ نشرة الأخبار :
نتنياهو يهزم القبائل.
اليهود يقتسمون السلايب .
والولية مراتى تلهط عسلاً مع الملائكة .
تنام في اليوم يا سادة يا كرام عشرين ساعة بالعافية؛ مظلومة وغلبانة.
وفي النوم سهرانة حتى القيالة.
أنتعل الخـٌف والقميص ( أبو ) ياقة، وبنطلون ( أبو ) رجلين سادة من غير كُسّر.
وأقفل باب الشقة بالضبة والمُفتاح ( أبو ) سبع سكات، والعجلة أم عجلتين أصعد.
وشارع زنين أخلف.
وخيام السوق أعبُر.
لا باذنجان ولا فلفل أسود نافع، فالبطن يا مفجوع بالكعك والبسكويت مكبوسة، ناقصها بس حتة بسبوسة وكام قُرطاس ترمس وفول بالجبة البُنية لابت.
سابت الركب ومن شارع إلى شارع والزحام على أشده سارع، فلا تعايرني ولن أعايرك، فالهم طايلني وطايلك، زُمارة وفأرة وغنوة بليدة في صباح منسوخ.
وفي الشغل بدوي فوق الكُرسي قاعد ؛ غندور وشعره الأبيض بالكولونيا فائح وفي المكتب الفني سره بادع.
رميت سلاماً، أطلقت ضحكة.
وبالعين غمزت، قال لي:
مالك اليوم في الصُبح رائق ! ·
قُلت له :
يا ريس دائماً أنا في الحُب شابك، اليوم أول دوام بعد العيد، في القلب حلم بعيد، ربما يعود العيد و القلب بعيد ! ·
رن الهاتف، وفي الهاتف حماتي قالت :
اليوم موعدنا ·
هرولت إلى البيت خائفاً وباللحاف لائذاً، وزوجتي بالنوم فائزة، حتى المكرونة في الطاسة مهرية.
وأحمد ومحمد يرجعان من المدرسة بهدوم مقطوعة، قال أيه :
عملوا مُظاهرة.
وأحمد أبو لسان زالف قال لي :
بابا لازم نبطل النوم .
تمت بحمد الله
عصام الدين محمد أحمد
التعليقات مغلقة.