فقرة من رواية “مشكاة التحدي”
سعاد الزامك
في يوم 25 يناير عام 2011 عادت مع زوجها حسين إلى منزلهما بعد هرج ومرج غلفا الشوارع، جلسا أمام التلفاز لمعرفة ما يحدث بالبلدة، ثورة تعم الميادين في أغلب المحافظات مطالبة بالعدالة الاجتماعية. مرت الأيام وهما صامدان أمام التلفاز ليستبينا الأحداث وتداعياتها، تدهورت الأحوال مع تساقط الضحايا، فرفع الثوار أسقف المطالب مطالبين بتنحي رئيس الجمهورية.
أمسكت دعاء بجهاز التحكم بالتلفاز، تنقلت بين المحطات والبرامج المختلفة علّها تفهم ما يحدث، أراء متضاربة بين مُصدق ومُكذب عن كونها ثورة أم أكذوبة اعلامية. تدافعت الأقاويل بأنها نتيجة سوء ادارة البلاد خلال سنوات غابرة من فقر مُدقع وفساد وحرمان ينخر بوجدان شباب لا حيلة لهم سوى الغرق باسم الهجرة طلباً لإنقاذ ما يمكن انقاذه من أحلامهم المنهوبة، وآخرون يفسرونها بانتقام من الله وغضب بسبب فساد أغشى الضمائر.
قُطعت الاتصالات، وأُعلن حظر التجوال بعد تصاعد المطالب برحيل الرئيس وصرخات مستأسدة بالانتقام من الشرطة. فُتحت السجون، وفرت آلاف المساجين متعددي الهوية من سياسيين وارهابين وجماعات مختلفة العقائد والغايات ولصوص. تم إعلان تنحي الرئيس، فاستبدلت المساجين الفارين بآخرين من أصحاب المناصب، ونُصبت محاكم أطلق عليها البعض محاكم صورية. دفاع ثلة عن رئيسهم مطالبين بفك أسره، سقوط صرعى وجرحى، عقول تم غسلها وأخرى تم تجنيدها لغرض أو لآخر، ألسنة تُردد ببراءتها من تلك التهم المزعومة، وأخرى تُباغت بالانصياع لقدرها.
بدأت في المقارنة بين ما يدور وحياتها، سنوات نُهبت باسم التضحية من أجل أبنائها، حصار زوجها الدائم لتصرفاتها وتهكمه المستمر عليها، صراعات وهجر تتزايد في السعة، صقيع يدثر قلبه أمام أية لمسة حانية منها، كل نشوة مُشتهاه تُطفئها لقاؤه الروتيني، محاولاتها المستميتة للنجاة بما تبقى من عمرها رغم ضغوط أسرتها لاستكمال حياتها الأسرية. تخبطت بين مشاهد حياتها واحباطاتها التي جالت بكل مرارة بعينيها، تمثلت بناظريها آهات الفقد لهويتها وعملها وأحلامها. طالبته باصطحابها لميدان التحرير لاحتفال وشيك، انتصفت الميدان مقلتاها، ثم نزعت فتيل الثورة الكامنة بداخلها منذ أعوام. واجهته أخيرا باماطة النقاب عن مكنون صدرها ومدى بغضها لأسلوبه الفظ معها وتحطيم معنوياتها بكلمات ساخرة لاذعة. كم أثار شفقتها على هويتها بلا مبالاته بطموحاتها، فعمّق بذاتها الشعور بضآلتها وكونها مجرد وريقة دَوَّنَ عليها رغباته، ثم ألقاها في سلة مهملاته بصحبة مثيلاتها.
التعليقات مغلقة.