“فقـــــــــه الســــــــيرة ” تأليف: الشيخ محمد الغزالي ط دار الشروق، ٢٠٠٣… عرض وتقديم:حاتم السيد مصيلحي
“فقـــــــــه الســــــــيرة” تأليف: الشيخ محمد الغزاليط دار الشروق، ٢٠٠٣
عرض وتقديم:حاتم السيد مصيلحي
يبدأ فضيلة الإمام محمد الغزالي حديثه بحقيقة مؤسفة ومخجلة، ألا وهي أن المسلمين الآن يعرفون عن السيرة قشورا خفيفة،لا تحرك القلوب ولا تستثير الهمم،وهم يعظمون النبي- صلى الله عليه وسلم ـ وصحابته عن تقليد موروث ومعرفة قليلة،ويكتفون من هذا التعظيم بإجلال اللسان،أو بما قلت مؤنته من عمل،ومعرفة السيرة على هذا النحو التافه، تساوي الجهل بها.. ويقرر أن المسلم الذي لا يعيش الرسول في ضميره ولا تتبعه بصيرته في عمله وتفكيره، لا يغني عنه أبدا أن يحرك لسانه بألف صلاة في اليوم والليلة.
وترسيخا لمبدأ السعي والأخذ بأسباب الحياة ونواميسها يقول: إن محمدا وصحبه تعلموا وعلموا،وخاصموا وسالموا...فلم ينخرم لهم قانون من قوانين الأرض،ولم تلن لهم سنة من سنن الحياة، بل إنهم تعبوا أكثر مما تعب أعداؤهم،وحملوا المغارم الباهظة في سبيل ربهم… وقد لقنهم الله عز وجل هذه الدروس؛ حتى لا يتوقعوا محاباة من القدر في أي صدام،وإن كانوا أحصف رأيا من أن يتوقعوا ذلك.
إن صناعة الرجال تحتاج إلى جهد مضن، ويضرب في ذلك مثلا: إن هناك ببغاوات كثيرة تردد ماتسمع دون وعي،وقد نرى أطغالا صغارا يلقون- بإتقان وتمثيل- خطبا دقيقة لأشهر الساسة والقادة، فلا الأطفال- بما استحفظوا من كلام الأئمة- أصبحوا رجالا،ولا الببغاوات تحولت بشرا، وقد تجد من يحفظ ويفقه، ويجادل ويغلب،ولكن العلم في نفسه كعروق الذهب في الصخور المهملة، لا يبعث على خير ولا يزجر عن شر.
ثم ينتقل للحديث عن المعجزات النبوية والغاية منها،قائلا: إن الخوارق في سير المرسلين الأولين،قصد بها قهر الأمم على الاقتناع بصدق النبوة، فهي تدعيم لجانبهم أمام اتهام الخصوم لهم بالادعاء،وسيرة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فوق هذا المستوى.
فقد تكفل القرآن الكريم بإقناع أولي النهى من أول يوم،وجاءت الخوارق في طريق الرسول ضربا من التكريم لشخصه،والإيناس له،غير معكرة ولا معطلة للمنهج العقلي العادي الذي اشترعه القرآن.
وينتقل للحديث عن المجتمع الإسلامي الجديد الذي أسسه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله:
إن المدينة الفاضلة التي تعشقها الفلاسفة، وتخيلوا فيها الكمال، جاءت في سطور الكتب دون ماصنع المهاجرون الأولون، وأثبتوا به أن الإيمان الناضج يحيل البشر إلى خلائق تباهي الملائكة صفاء ونضارة..
وكان الإخاء بين المهاجرين والأنصار دليلا على ما جبلوا على شمائل نقية، واجتمعوا على مبادئ رضية، فسجلت لهم الدنيا هذا التآخي الوثيق في ذات الله..
وعن علاقة المسلمين بغيرهم متمثلة في اليهود، تلك الطوائف التي عاشت بين العرب كعصابات من المرتزقة، اتخذت الدين عنوانا؛ لمطامع اقتصادية بعيدة، فلما توهمت أن هذه المطامع مهددة بالزوال، ظهر الكفر المخبوء، فإذا هو كفر بالله وسائر المرسلين.
وعن مسلك بني إسرائيل إزاء العاهدات التي أمضوها قديما وحديثا يجعلنا نجزم بأن القوم لا يدعون خستهم أبدا، وأنهم يرعون المواثيق ما بقيت هذه المواثيق متمشية مع أطماعهم ومكاسبهم وشهواتهم،فإذا وقفت تطلعهم الحرام نبذوها نبذ النواة..ولو تركت الحمير نهيقها،والأفاعي لدغها، ترك اليهود نقضهم للعهود، وقد نبه القرآن لهذه الخصلة الشنعاء في بني إسرائيل، وأسار إلى أنها أحالهم حيوانا لا أناسي،فقال عنهم: إن شر الدواب الذين كفروا فهم لا يؤمنون * الذي عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون
التعليقات مغلقة.