فنجان ذكرى .بقلم.هالة على أبو الدهب
صفقت الباب خلفها بشدة وانطلقت لا تلوي على شئ.
أفزع الصوت قطة الجيران التي هربت منها
بعد أن دهست ذيلها في طريقها دون أن تشعر.
نزلت السلالم مسرعة وكأنها تهرب من شبح.
سارت بين الناس وهي لا تراهم رغم الزحام
وأصوات السيارات التي تمرق، كانت غارقة في أفكارها.
لم ترد على بائع يعرض عليها بضاعته وآخر ينهرها
لتنتبه لطريقها بعد أن صدمته وكاد يقع على الأرض.
لا تدري لماذا ساقتها قدماها لهذا الشارع المزدحم
أولى بها أن تسير في شارع هادئ، فكفاها رأسها المزدحم
بما لا طاقة لها به من أفكار.
فجأة توقف طنين النحل في اذنيها فقد زاحمت الهواء رائحة عبقة، رائحة أتت عند مرورها بمحل لبيع القهوة.
رائحة أغلقت محابس الألم الذي يكتنفها لتفسح المجال
لمشاعر رسمت بسمة باهتة على شفتيها.
سار بها الطريق بصحبة تلك الرائحة التي تتسع معها
بسمتها وتُشرق لتجد نفسها تسير على البحر.
تسلقت سوره الحجري وجلست مولية ظهرها للمارة
غير عابئة بنظراتهم المسترقة لها المتعجبة من جلوسها
هكذا في هذا البرد.
عاشت لحظاتها مع ما أنعشته الرائحة من ذكريات طفولتها.
هاهي تسبق غيرها ممن في بيت جدتها لتفتح الباب
لصديقات جدتها اللاتي كن يأتين في يوم معين
لتناول الفطور وشرب فنجانا من القهوة التي كانت
تُعدها جدتها بعد إضافة تحويجتها الخاصة وتحميصها.
كانت تتعمد أن تبيت عند جدتها ليلة الزيارة لتتابع
تجهيز القهوة.
على الرغم من صغر كفها إلا أنها كانت تُصمم أن تُدير
يد المطحنة بيدها.
كم تحب رؤية صاحبات جدتها، تُبهرها تلك البراقع
التي تُغطي وجوههن وخاصة تلك القطعة الذهبية
المسماة .. قصبة، والتي كان لكل قطعة شكلها المميز
حتى لا تختلط البراقع.
جلسات الصديقات وجدتها وتبادلهم الأحاديث
مع رشفات القهوة الممزوجة بضحكاتهم
كان كل ما تنتظره، متعجبة ما سر هذه القهوة الصانعة
لكل تلك السعادة؟
منتظرة رحيلهم، تُمسك الفناجين الفارغة لتلعق بعضاً مما
يصل إليه أصبعها وتستشعره بفمها لعلها تعرف السر.
رغم حبها للقهوة وشربها كثيراً إلا أنها لم تعرف السر
ولكنها عرفته الأن … إنه الصحبة المُحبة، الصحبة التي
ترى إسعادك مهمتها والتخفيف عنك هدفاً وليس منةً منهم.
هالة علي ابو الذهب
التعليقات مغلقة.