فنيات النص والمشهد الديني في ملحمة الإبداع والتاريخ ” دراسة نقدية تحليلية لقصيدة ” الرحلة المقدسة ” للشاعرة د.وجيهة السطل نقد وتحليل أسامة نور
فنيات النص والمشهد الديني في ملحمة الإبداع والتاريخ ” دراسة نقدية تحليلية لقصيدة ” الرحلة المقدسة ” للشاعرة د.وجيهة السطل نقد وتحليل أسامة نور
الرحلة المقدسة”
١-ظَمِئَتْ نفوسُ الخلقِ،عزَّ الموردُ
فأضاءَتِ الدنيا، وجاءَ محمَّدُ
٢- فهَدَى إلى التوحيدِ لمْ يعبأْ بما
فعلَتْ وقالتْ عُصبةٌ تتهدَّد
٣- وحِراءُ غارٌ كمْ تعطّرَ باسْمِهِ
يأوي له متأمِّلًا يتَعبَّد
٤- واللهُ يرفَقُ بالأنامِ ويصطفي
لعبادِه رُسُلًا لهم يتعَهَّد
٥- وعلى ضفافِ الأربعين رسالةٌ
(اِقرأ) بها جبريلُ جاءَ يردِّد
٦-( اِقرأ) وباسمِ اللهِ ربِّكَ خالقًا
ويُعلّمَ الناسَ العلومَ ويُرشِد
٧- وتكرّرَ الوحيُ الأمينُ يزورُه
تترى رسائلُ ربِّهِ تتنَضَّد
٨- اَلمشركون تنافسُوا في صدّه
كم كذّبُوه، وفي العنادِ توحَّدُوا
٩- كم ضايقوه وعذَّبوا أتباعَه
ولَكَمْ هجَوْهُ، وأسرفوا وتشدّدوا
١٠- صلّى عليه اللهُ لم يعبأْ بِهِم
يبني البناءَ بحِلْمِهِ ويُشيِّد
١١- ومضى بدعوتِهِ فكانت خُفيةً
والدينُ بين المؤمنينَ تودُّدُ
١٢- فأتاه وحيُ الله: (فاصدعْ) جهرةً
أنتَ النبيُّ لكَ الرسالةُ تُسنَد
١٣-العمُّ مات بعامِ حزنٍ، وانتهى
عمرُ الخديجةِ، والحنينُ تنَهُّد
١٤- فمشى على القدمين ينشرُ دينَه
للطائفِ الموعودِ، قرّر يَقصِد
١٥- تبًّا لهم آذَوهُ واضطَهدُوه لمْ
يرضَوا بما نادى به، وتمرّدوا
١٦- فمضى يناجي ربَّه مُتألِّمًا
قد كذَّبوني، في الإهانةِ أبعَدوا
١٧- ضعفي هَوَاني بلْ وقلةَ حيلتي
أشكو إليكَ، وما لِعَزمي أفقِد
١٨- لا أبتغي إلا رضاكَ ونُصرتي
والحزنَ – يا رباه – لا يتجَدّد
١٩- مَلَكُ الجبالِ أتاه يسعى قائلًا:
إن شئتَ أطبقتُ الجبالَ لِيَخمَدوا
٢٠- فرجاه غَضَّ الطرْفِ عنهم ربّما
أصلابُهم تحوي خلائقَ تَعبُد
٢١ -أسْرَى به الرحمنُ، يغسِلُ حزنَه
للمسجدِ الأقصى يزورُ ويسجُد
٢٢- بالرُّسْلِ صلَّى ثم لبًى خاشعًا
فلقد دعاه، وجاءَه يستنجد
٢٣- ثم ارتقى نحو السماءِ بفرحةٍ
يرجو اللقاءَ ،و للسعادةِ يَنشُد
٢٤- جبريلُ رافقَهُ وكان سميرَه
يحنو ويَرأفُ، والهمومَ يبدِّد
٢٥- ويجيبُ ما يُبدي، ليشرحَ صدرَه
ويظلُّ في دَرَجِ العُلا يَتصَعَّد
٢٦ – ودَنا فكان من الجليلِ مُقاربًا
قوسين أو أدنى وهلّل مَورِد
٢٧- جبريلُ لم يُقدِمْ، وقال له: انطلقْ
فإذا اخترقتَ، لك الرضا ، وتفرُّد
٢٨- أما أنا فهنا تَلاشتْ حُظوَتي
يا أيُّها المختارُ أنتَ مؤيَّد
٢٩- تلكَ التحياتُ التي قد قالها
لله كانتْ والملائكُ تَشهد
٣٠- وعلى الرسولِ أتتْ عطورُ سلامِهم
وعلى العبادِ الصالحين تَجَدَّد
٣١- يا خيرَ خَلقِ اللهِ إنّا أمةٌ
قد أسرفتْ في الظلمِ بل وتؤيِّد
٣٢- ذكرى العُروجِ إلى السما لقلوبنا
زادٌ من الإيمانِ حاشا ينفَد
٣٣- ونبيُّنا الهادي محمدُ نورُه
شمسٌ لِمَنْ رامَ الضيا تتوقّد
٣٤-ياربُّ صلِّ على الحبيبِ محمدٍ
نرجو الشفاعةَ في حِماهُ ونحمَد
٣٥- ياربُّ رشفةَ كوثرٍ من كفِّه
نحيا بها بعدَ العناءِ ونسعَد
٣٦- من سيرةِ المختارِ نقبِسُ صبرَنا
وإلى رضا ربِّ البريَّة نحفِد
٣٧- ونبيُّنا للرُّوحِ رَوحٌ دائمٌ
وبنورِهِ كمْ يستضيءُ مُسَهَّد
⚘⚘⚘
٣٨- ذكرى تمرُّ وفي الفؤادِ توجّعٌ
فالمسجد الأقصى حِماهُ مُهدّد
٣٩- عَبَثَ البغاةُ عُتاةُ ص.ه.ي.و.نٍ بهِ
ربّاه إنّا صابرون ونصمُد
٤٠- ومرابطون هناك يحمون الحِمى
ودماؤهم في القدس لا تتبدَّد
٤١-شهداؤنا هم في الجنان وربّنا
قد قال (أحياءٌ) فهيا زغردوا
٤٢- ورسولُ ربِّ العالمين شفيعُنا
بَعدَ الشفاعةِ ، في الجنانِ سنخلُد
٤٣- صلَّى عليك الله في عليائه
و لكلِّ مَن صلَّى عليك ستشهَد
٤٤- يارحلةَ الإسراءِ درسُكِ طيّبٌ
إنا بهِ، بالصبرِ كم نتزوَّد
الرؤية النقدية
مقدمة :- إن الإبداع هو الإتيان بما لا يستطيعه الآخرون ،هو التفرد والتميز والارتقاء بالفكرة ،ليمتزج الخيال والواقع..ويتآلف الفكر العميق، مع رهافة الإحساس وطرافة التصوير ،ويكتنف ذلك إطار من الصدق الفني والعاطفي ..
لهذا ليس كل كاتب مبدعًا…فالكاتب الحق هو مَن يجمع في كتابته بين الإبداع والإمتاع .
** والشعر هو فن العربية الأول تميز عما سواه بالتجاوب العاطفي ..والكلمة القوية المؤثرة الموحية ، والصور الطريفة والتناغم والحركة؛ بما يتناسب مع الجو النفسي والشعوري..
لهذا فالشاعر فيلسوف بل يفوق الفيلسوف بإحساسه المرهف
وبروحه الباحثة عن الجمال والكمال .
وهذا ما تبحث عنه وتبرزه قصيدتنا هذه ” الرحلة المقدسة “
** “ماهية العنوان وأبعاده المتعدده”
إن العنوان مدخل للنص وعتبة أولية من عتباته ..فهو” نص مختصر” للنص الأصلي كما ذهب إلى أهميته الناقد الفرنسي
“جيرار جينت” في كتابه” عتبات النص “.
لهذا فللعنوان دلالته ،وأبعاده ..والعنوان هنا “الرحلة المقدسة “
عنوان من كلمتين الأولى( الرحلة ) خبر مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة لمبتدأ محذوف تقديره هو ،والثانية “المقدسة”نعت مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة ..وحذف المبتدأ هنا للاهتمام بالخبر ،وجلاله ودوره ..وكلمة” الرحلة” جاءت معرفة للفت الانتباه إلى جلالها وعظمتها . ثم زادها تعظيمًا وإثارة للفضول وصفها بالمقدسة.
فالعنوان يوحي بالسير
والمغامرة ، وتتابع الأحداث، والبحث والاستكشاف والنتائج فلها في النفس وقع وتشويق .ووصفها بمقدسة يوحي بعظمة هذه الرحلة بكل أطرافها ،وروحانيتها .
و (الرحلة )تحيلنا إلى أدب الرحلات ..وما به من إثارة وتشويق ..وقد كتب أغلب هذا الأدب نثرًا ..ولكن كتابته شعرًا ..تحتاج إلى تتابع الحكي والسرد في قالب من فنيات
وآليات الشعر ؛حتى لا يكون الهدف هو الحكي والسرد فقد ..
وهنا تكمن المخاطرة ..
الحكي الإبداعي في شاعرية ..تجمع بين وصف الرحلة وأحداثها ،وجوهر الشعر وفنياته .
ولنبحث هنا . هل تحقق ذلك؟ ..وكيف تحقق الإبداع في النص الشعري.؟!
**من حيث الشكل والموسيقى الخارجية ..
النص مكتوب على الشكل العمودي ،فهو يلتزم الوزن والقافية ..فهو مكتوب على بحر الكامل التام ( متفاعلن..متفاعلن .. متفاعلن )..مع استخدام الزحافات والعلل المناسبة لهذا البحر ..وبحر الكامل يمتاز بالموسيقى المتناغمة الجزلة في انسيابية وإيقاع عذب ، كما أنه يصلح لكافة الأغراض الشعرية. وللتعبير عن الحالات النفسية ….فجاء البحر مناسبًا لقدسية الرحلة واكتمالها ..كما أنه يتناسب مع صاحب الرحلة الكامل الأعظم من البشر في الخَلق والخُلق..
..وكما جاء حرف الروي الدال المضمومة ليتماهى مع قدسية الرحلة فالدال حرف لثوي ،انفجاري،مجهور،مرقق،وهو حرف ناطق ،دالٌ على العلوم والحكمة ،
والضمة حركة توحي بالسعادة وانفراج الأزمة ؛بما لها من إيقاع مطرب عذب ..
ومن هنا وفقت الشاعرة في الوزن والقافية وحرف الروي ..فجاءت الموسيقى الخارجية قوية جزلة في تناغم ..تناسب قدسية الرحلة وأبعادها. وفي كل هذا كانت الشاعرة واعية؛ فلم تترك مفرداتها للموسيقى ،بل طوعت الموسيقى بحيث تكون عنصرًا وآليةً جمالية تقودها الشاعرة ؛لتعزف عليها الكلمات والصور ، وتكون مع الموسيقى الداخلية سيمفونية رقراقة صافية .
ونلحظ ذلك في البيت الأول حيث تقول :-
أرواحنا ظمئت وعز الموردُ
فأضاءت الدنيا وجاء محمدُ
فنجد هنا التشكيل اللغوي والموسيقى وتأثيرهما في النفس ..
مما يجذب القارئ بحسن الاستهلال ..ودقة التعبير ..
** مِن حيث المضمون والمفردات :-
تسرد القصيدة وتصور رحلة الإسراء والمعراج ؛فهي الرحلة المقدسة التي لها في نفوسنا كل تقدير وتبجيل ،
ولكن الشاعرة لم تكتفِ بذكر أحداث الرحلة ..بل ذكرت ما قبلها وما بعدها ..وأسبابها ..فتناولت سيرة الرسول العطرة وجوانب دعوة للرسول الكريم ..في “ملحمة دينية تاريخية “
تعتمد على الحقائق ،وسرد الأحداث..في دقة وتلميح..
وقد سردت عدة جوانب ..وقد قسمت القصيدة إلى خمسة أجزاء أو “خمسة مشاهد.”
١- نزول الوحي ..فقد تناولت نزول الوحي ..وبعثة الرسول الكريم فتقول:-
أرواحُنا ظَمِئَتْ، وعزَّ الموردُ
فأضاءَتِ الدنيا، وجاءَ محمَّدُ
وهَدَى إلى التوحيدِ لمْ يعبأْ بما
فعلتْ وقالتْ عصبةٌ تتهدَّد
وحِراءُ غارٌ كمْ تبارَكَ باسْمِهِ
يأوي له متأمِّلًا يتعبَّد
واللهُ يرفَقُ بالأنامِ ويصطفي
لعبادِه رسلًا لهم يتعهَّد
وعلى ضفافِ الأربعين رسالةٌ
(اِقرأ) بها جبريلُ جاء يردّد
( اِقرأ) وباسمِ اللهِ ربِّكَ خالقًا
ويعلم الناسَ العلومَ ويرشِد
وتكرّرَ الوحيُ الأمينُ يزورُه
تترى رسائلُ ربِّهِ تتنَضَّد
فتسرد في إيجاز وحسن تقسيم ..نزول الوحي والرسالة في عمق ..ودقة تصوير وبلاغة ..
٢- “عام الحزن ” وذلك لوفاة عمه أبي طالب ..ووفاة زوجه السيدة خديجة بنت خويلد. ..وما أصاب الرسول من أهل الطائف مِن صد ونفور ..فهي تعبر عن ذلك ،وموقف الرسول الكريم والعفو عند المقدرة. فكل ماسبق كان أسبابًا قدَّر الله
بها هذه الرحلة؛ للتسرية عن الرسول الكريم.
فتقول الشاعرة في عرض بلاغي رائع
العمُّ مات بعامِ حزنٍ، وانتهى
عمرُ الخديجةِ، والحنين تنهُّد
فمشى على القدمين ينشرُ دينَه
للطائفِ الموعودِ، قرّر يقصُدُ
تبًّا لهم آذَوه واضطَهدُوه لمْ
يرضَوا بما نادى به، وتمرّدوا
٣- في الرحلة ذاتها…
وتعبر الشاعرة في هذا الجزء عن أحداث الرحلة في تشويق ووصف ومشهدية عالية. فتعرض للإسراء، وصلاته( صلى الله عليه وسلم )إمامًا بالأنبياء والرسل ..ثم المعراج وأحداثه.
فتقول :-
أسْرَى به الرحمنُ، يغسِلُ حزنَه
للمسجدِ الأقصى يزورُ ويسجُد
بالرسل صلّى ثم لبًى خاشعًا
فلقد دعاه، وجاءه يستنجدُ
٤-.زاد من الإيمان تعبر فيه ،عن حلاوة الإيمان ، وراحة النفس والروح به فتقول :-
ذكرى العروجِ إلى السما لقلوبنا
زادٌ من الإيمانِ حاشا ينفَد
ونبيُّنا الهادي محمدُ نورُه
شمسٌ لمن رامَ الضيا تتوقّد
٥- فوائد وعظات ..
فالهدف من الاحتفاء بذكرى الإسراء والمعراج هو التمسك بالدين والايمان ، والاقتداء بالرسول الكريم وسيرته العطره
فتقول ؛-
من سيرةِ المختارِ نقبِسُ صبرَنا
وإلى رضا ربِّ البريَّة نحفِد
ونبيُّنا للرُّوحِ رَوحٌ دائمٌ
وبنورِ هديِه، يستضيءُ مُسَهَّد
..
ثم ربطت ذاك بالحاضر المرير للمسجد
.الأقصى وما يعانيه المقدسيون من ظلم واعتداءا ت. فقالت:
ذكرى تمرُّ وفي الفؤادِ توجّعٌ
فالمسجد الأقصى حِماهُ مُهدّد
عَبَثَ البغاةُ عُتاةُ ص.ه.ي.و.نٍ بهِ
ربّاه إنّا صابرون ونصمُد
ومرابطون هناك يحمون الحِمى
ودماؤهم في القدس لا تتبدَّد
شهداؤنا هم في الجنان وربّنا
قد قال (أحياءٌ) فهيا زغردوا .
لقد عرضت الشاعرة جوانب مضيئة من سيرة الرسول الكريم ..في إيجاز وبلاغة ..ومفردات دقيقة لها بلاغتها
فجاءت المفردات سلسلة..والجمل متناسقة لها وقعها في النفس ..كما أن هناك تسلسلًا زمنيًّا وتاريخيًّا في عرض هذه
المقاطع والأجزاء ،كما أنها مترابطة فيما بينها.
لأنها استقت الشاعرة” مادة النص من السيرة النبوية الشريفة”
والتناص القرآني في كثير من المفردات مثل قولها “اقرا”
وقولها” فاصدع”
وقولها (أحياءٌ) إشاره الى الآية القرآنية “بل هم احياء عند ربهم يرزقون”
وقولها “
“ودنا فكان من الجليل مقاربًا
قوسين أو أدنى وجل المورد”
فهو تناص مع قوله تعالى ” فكان قاب قوسين أو أدنى”وقولها: ” ولكل من صلى عليك ستشهد” إشاره إلى قوله صلى الله عليه وسلم (إن صلاتكم تعرض علي…)
———؛؛؛؛؛؛؛؛؛———
**” من حيث الفنيات والأساليب والصور”
القصيدة من الشعر العمودي ،لكن الشاعرة ..استطاعت أن تصورها، وكأن الأحداث مرئية تمر أمامنا.وعبرت عن مضمونها بشكل حداثي ومشهدية عالية
فإننا نستمتع بالمشاهدة لا بالقراءة فقط ..
واستخدمت عوامل التشويق والإثارة التي جعلتنا لانشعر بالملل على طول القصيدة. ..كذلك استخدام الجمل القصيرة والصور الشعرية الطريفة …
كذلك نوعت في استخدام الأساليب ..وهي تدرك أن لكل أسلوب غرضة البلاغي ..وكان الهدف هو جذب المتلقي
وجعله حاضر الذهن في رحاب السيرة العطرة ..
فقد استخدمت الأساليب الخبرية ؛للتقرير والتأكيد مثل
بداية النص ..”ظمئت نفوس الخلق، عز المورد”
وكذلك” والله يرفق بالأنام ويصطفي “
وكذلك من “سيرة المختار نقبس صبرنا”
واستخدمت الأساليب الإنشائية لإثارة الذهن وجذب المتلقي
وغير ذلك من الأغراض البلاغية .
مثل الأمر” اقرأ”…وتكراره الذي يشكل صدى النفس ووقعًًا
وتفاعلًا.
و في “فاصدع ” للوجوب والإلزام ..والأمر” صل “للدعاء
والنداء في “يارب” وغرضه التعظيم والدعاء
وكذلك “يا أيها المختار” للتعظيم
وكذلك” يارحلة الإسراء والمعراج” للتعظيم ..
“ويا رباه”” للاستغاثة والدعاء.
واستخدام الأسلوب الخبري لفظًا الإنشائي معنىً كما في
“تبًّا لهم ” …..وفي “صلى عليه الله”.
وجاءت الصور البلاغية قليلة ،لكنها طريفة جزئية في معظمها .أسهمت في الارتقاء بالنص. مثل ” ظمئت نفوس الخلق” ..”فأضاءت الدنيا وجاء محمد “
وكذلك
” وحِراء غارٌ كم تعطّر باسمه”
“على ضفاف الأربعين”
و..”رسائل ربه تتنضد “
‘ويغسل حزنه”
“وأتت عطور سلامهم “..
هنا الصورة تخدم العمل ..وتظهره ..فالكلمة والصورة جمالهما في حسن استخدامهما ودلالتهما،ومراعاتهما للجانب النفسي والفكري في العمل .
ونجد كذلك استخدام المحسنات البديعية التي كان لها الدور الأمثل داخل النص. وساهمت في روعة التشكيل الموسيقي ..فنجد حسن التقسيم في البيت الأول ،وكذلك التصريع
في
” ظمئت نفوس الخلق، عز المورد “
فأضاءت الدنيا وجاء محمد
وكذلك الجناس في للرُوح رَوح
و الترادف في أسرفوا وتشددو
ويحنو ويرأف..
*** الموثرات داخل النص ( الحركة والصوت والضوء )
استخدمت الشاعرة المؤثرات داخل النص مثل الحركة في عنوان النص(الرحلة . .. ..تتنَضَّد..تتنهدَّ..توحَّدُوا.. يبني.. ويُشيِّد ، فمشى على القدمين ..يسعى.. أطبقتُ..أسرى به الرحمن ..ثم ارتقى نحو السماء ).
وكذلك مؤثرات الصوت في”
تتهدَّد.. يردِّد.. اقرأ..نادى به ..تنهُد..جهرة..وكان سميره .. وهلَّل..زغردوا) وكذلك مؤثرات الضوء .(.فأضاءت الدنيا ..شمس لمن رام الضياء ..وبنوره .. يستضيء)
كل ذلك جعل النص حيًا زاهيًا ..فقداسة الحدث ،وقدرة الشاعرة على السبك والتوهج اللفظي والحسي والشعوري
جعل النص يحلق عاليًا ..رغم واقعية المضمون ويعطي السرد
أبعادًا أخرى لا تجعله يقف عند منطقة الوصف والتاريخ ..
—–؛؛؛؛؛؛——-
**”الإبداع النصي ..والتجاوب النفسي”
مما سبق يمكننا القول إن الإبداع كان حاضرًا في كل جوانب النص ..واعتمدت هنا الشاعرة على كلية الإبداع ..أي أنها
اعتمدت في التأثير النفسي على المتلقي ، على المفردة المؤثرة في موقعها، ..وعلى الجمل القصيرة الحية المتناغمة ،وعلى التسلسل الزمني في إيجاز .
للتشويق والإثارة .. وجذب المتلقي من خلال ..تنوع الأساليب ..والحركة والتناغم الصوتي والصدق الفني …
لهذا تحقق في النص الإبداع والإمتاع .فهو يتماس مع الآخر ، ويخترق وجدانه .
وظهر في قولها ” يغسل همه” إن الله عليم بما ألم بالرسول من حزن وألم فكانت المعالجة النفسية ، والدعم المعنوي من الله سبحانه ،وتعالى ،
وكذلك في موقف سيدنا جبريل المكلف من الله عز وجل بمرافقة الرسول الكريم ” فتقول
“فيجيب ما يبدي ليشرح صدره “
“ويظل في درج العلا يتصعّد”
إنه إحساس الرفيق برفيقه..ويظهر ذلك استخدام الفعل المضارع في مواقف التجدد والاستمرارية ،ونلمس حرص الرسول على الاستكشاف
والمعرفة ،وإجابة سيدنا جبريل عن تساؤلات الرسول المباشرة أو ما أظهره من تعجب لما رأى .
—-؛؛؛؛؛——-
** البعدان الرابع والخامس في الرحلة المقدسة “
يظهر في النص وفي الرحلة المقدسة البعد الرابع وهو الزمن وهو بعد لا يمكننا رؤيته مثل الطول والعرض والارتفاع ولكننا نشعر به، بل إننا نعبر خلاله بأقوالنا وأفعالنا، والرحلة زمنها ليلة واحدة رغم كثرة الأحداث فهل تباطأ الزمن أم توقف ؟
فمن المعروف أنه كلما زادت السرعة تباطأ الزمن ..وكذلك
يظهرالبعد الخامس الروحي حيث الخروج من ماديات هذا العالم ..والعلو والارتقاء ،بالذات في صفاء ونقاء .
وهنا تصف الشاعرة ذلك العلو والارتقاء في قولها ..
“ودَنا فكان من الجليلِ مُقاربًا
قوسين أو أدنى وهلّل مَوْرِد”
” جبريلُ لم يُقدِمْ، وقال له: انطلقْ
فإذا اخترقتَ، لك الرضا وتودُّد”
إنها المقاربة والمكاشفة ، بحيث أصبح الجمع بين الماضي والحاضر والمستقبل في آن واحد …
وبذلك استطاعت الشاعرة في قصيدتها أن تعكس لنا ذلك.
فجاء النص عابرًا للزمن ، يشع بالروحانية والأطمئنان،
** “الترابط الملحمي والإبداعي في النص “
إننا أمام ملحمة إبداعية أدبية ، تتحدث عن سيرة الرسول الكريم
الذي قال عن نفسه (عليه الصلاة والسلام ):-
” أنا نبي الرحمة ونبي الملحمة “
وهنا تطغى المشاعر الدينية على الملحمة؛ إذ تسري فيها الروح الإسلامية السامية ، وتعبر عن مرحلة تاريخية ،كان لها تأثيرها على العالم كله. فقد توافرت فيها خصائص الملحمة ..من حيث الضخامة -وأقصد هنا ضخامة الأحداث- والبعد الزمني -وتناولها لشخصية لها السمو والعلا في الصفات الجسدية والعقلية والأخلاقية . تذكرنا بأشهر الملاحم مثل” إلياذة هوميروس “
“والكوميديا الإلهية لدانتي “” “والإلياذة الإسلامية لأحمد محرم ” وغيرها .
ولكن ملحمتنا هذه “الرحلة المقدسة ” تميزت بالوحدة الفنية والترابط بين أجزائها “وتوافر فنيات الإبداع ،وعوامل التشويق والإثارة ،والحركة والتناعم الموسيقى، والانسجام الصوتي .
“إنها ملحمة أدبية إبداعية أنتجتها عبقرية الشاعرة “
فأحدثت تماسًا مع الآخر ،وحققت الإبداع والإمتاع .
تحياتي أسامة نور
التعليقات مغلقة.