فى ذكرى ٤ فبراير … د.أحمد دبيان
فى ذكرى ٤ فبراير …
د.أحمد دبيان
وكراية الماتادور ، حين يلمحها الثور فتثير مراكز الهياج لديه ليندفع نحو المصارع ، ورغم ان المصارع هنا رحل و ترك الحلبة منذ تسع واربعين عاماً .
الا ان الثور ما زال الزبد يملأ شدقيه هائجاً ، كلما حلت الذكرى ، او لاحت رايات إنجازات الراحل العظيم ، والتى قصر من سبق ومن لحق فى ان يطاول هاماتها .
بعد حادث ٤ فبراير وحصار الدبابات الانجليزية لقصر عابدين ، لاجبار الملك السابق على تعيين مصطفى النحاس باشا ، لتشكيل وزارة تؤمن الجبهة الداخلية فى اهم مستعمرات التاج البريطانى ذات الاستقلال الشكلى ، وقبول النحاس تشكيل الوزارة انتهى النظام السياسى المصرى التابع ذو الاستقلال الشكلى الفارغ من المضمون .
كانت الفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية فترة حراك وطنى قوامها الطلبة والعمال ،
كانت احداث كوبرى عباس وفتحه وإغراق الطلبة ( رغم الزعم انه لم تحدث وفيات !!! )
شاهداً على حراك شعبى ونظام خاضع خانع يهترئ .
وجاء إلغاء النحاس لمعاهدة ١٩٣٦ والتى وقعها بنفسه وعودة مصر قانوناً وفعلاً
De facto
دولة محتلة
ليتفجر الكفاح المسلح فى القناة التى كان يوجد بها اكبر قاعدة بريطانية فى العالم بغير عدد محدد من الجنود وبمخازن سلاح ، قادرة على سحق جيوش مجتمعة ، والاهم بخطة سرية تم تسميتها بالخطة روديو، تتيح لإنجلترا اعادة الانتشار فى الوادى والدلتا فى اقل من ٢٤ ساعة وهى التى حاول انتونى ايدن وزيراً للمستعمرات فى ديسمبر عام ١٩٥١ واحداث محو قرية كفر احمد عبده وحصار ومذبحة الإسماعيلية فى ٢٥ يناير ١٩٥٢ تفعيلها.
كان حريق القاهرة هو الحدث الأساسى الذى طلب فيه ايدن رسمياً تفعيل الخطة روديو والتى احجم الجنرال اكسهام على ان يقوم بذلك خشية تعرضه لحرب استنزاف ممتدة من الفدائيين والذين كان يتم تدريبهم من قبل عناصر من الضباط الأحرار.
في ظروف اقتصادية بالغة السوء تفجرت ثورة عبد الناصر في مصر،
عندما تسلم ناصر حكم مصر كانت مصر دولة فقيرة متخلفة صناعيا، محصولها الزراعي الأساسي هو القطن الذي كان حكرا بيد طبقة من الإقطاعيين والمضاربين والأجانب .
كان الاقتصاد المصري متخلفا وتابع للاحتكارات الرأسمالية الأجنبية، كان هناك 960 شخصا فقط يسيطرون على كل الوظائف الأساسية في مجالس إدارات الشركات الصناعية، من بين هؤلاء نجد 265 مصري فقط .
وكان بنك باركليز الإنجليزي يسيطر وحده على 56 % من الودائع، وكان بنك مصر قد تمت السيطرة عليه من جانب رؤوس الأموال الإنجليزية والأمريكية .
وقد كان الاقتصاد المصري عاجزا بسبب ارتباطه بالمصالح الأجنبية عن طريق البنوك وشركات التأمين والتجارة الخارجية في الصادرات والواردات وكانت كل مرافق الاقتصاد المصري بيد الأجانب واليهود .
الأمر الذي دعا الاقتصادي المصري الكبير الدكتور عبد الجليل العمري أن يصفه : ( لقد كان الاقتصاد المصري كبقرة ترعى في أرض مصر، ولكن ضروعها كانت كلها تحلب خارج مصر ) .
يكفى ان نعلم ان الانجلو ايجيبشيان بنك او البنك البريطانى المصرى ،
وهو بنك ما وراء البحار تأسس عام ١٨٦٤
كان ضمن اربعة بنوك موجودة فقط فى الاسكندرية ،
بالاضافة الى النشاط فى مصر ، كان البنك هو البنك الأساسى الممول للسلطات البريطانية فى مصر والمستعمرات .
وحتى عام ١٩٢١ كانت عائلة موسى قطاوى باشا ( يهودى ) تملك اسهما حاكمة فى البنك الى ان اشترى بنك باركليز أنصبتها عام ١٩٢٤ وأصبح المتحكم الاوحد فى الأسهم .
بنك باركليز بالاضافة الى أنشطته فى القرن التاسع عشر كممول لتجارة الرقيق ،كان المتحكم الرئيسى فى الاقتصاد المصرى .
يبقى أن نعلم ان البنك الانجلو المصرى كان يصدر أوراق البنك نوت لمالطة ولحكومة جبل طارق باستخدام غطاء الذهب المصرى ، وانه بعد حرب السويس المسمى الغربى للعدوان الثلاثى قام جمال عبد الناصر وحكومة الثورة ، باغلاق نشاطات البنك وتمصيره.
إن الوثائق التاريخية تقدم لنا حقائق حالكة السواد عن أوضاع مصر الداخلية قبل الثورة، كانت أخر ميزانية للدولة عام 1952 تظهر عجزا قدره 39 مليون جنيه .
كما أن مخصصات الاستثمار في مشروعات جديدة طبقا للميزانية سواء بواسطة الدولة أو القطاع الخاص كانت صفرا .
كما أن أرصدة مصر من الجنيه الإسترليني المستحق لها في مقابل كل ما قدمته من سلع وخدمات وطرق مواصلات لخدمة المجهود الحربي للحلفاء أثناء الحرب العالمية الثانية وكان يبلغ 400 مليون جنيه إسترليني قد تم تبديده ولم يتبق منه إلا 80 مليون جنيه إسترليني رفضت إنجلترا تسديدهم لمصر ولم تفلح حكومات ما قبل الثورة على اجبار إنجلترا على سدادها والتى اعتبرتها ديون هالكة ، والوحيد الذى حصلها كان عبد الناصر فى تسويات تعويضات القناة .
صدر قانون الإصلاح الزراعي ، فى ٩ سبتمبر ١٩٥٢ فى ذكرى قيام عرابى باشا ( الممنوح الباشوية من الخليفة العثمانى وليس من الخائن توفيق )
بالذهاب الى عابدين عارضاً مطالب الجيش والشعب ومجبراً الخديوى على الخضوع لمطالبه .
كانت ملكية الارض الزراعية وتاريخها فى مصر مثالا على الفساد والإفساد وعلى الجور الفادح الذى تعرض له المصريون عبر تاريخهم .
قام الوالى محمد على ، بتأميم كل الاراضى الزراعية لحساب نفسه ، بموجب قانون الاحتكار ليعيد توزيعها على قواد الجيش حسب الرتبة وعلى محظياته ، فضلاً عن أفراد عائلته ، لتصبح مائتا عائلة فقط متحكمة فى أراضى مصر الزراعية ، وليعمل الفلاحون فيها دون ان تكون ملكاً لهم ليتم طردهم وتشريدهم اذا لم يفلحوا فى توريد المحاصيل بالحصة المطلوبة او اذا عجزوا عن سداد ديونهم .كان الجلد والإهانة للفلاح ، هو اللغة الأعم فى التعامل ، بل ان احداث قرية بهوت عام ١٩٥١ والمتورط فيها فؤاد باشا سراج الدين والبدراوى عاشور زوج ابنته ، والتى تم قتل فلاحين فيها وفقأ عيونهم ، تنبئنا عن التعامل الحياتى مع المهمشين والأشبه بالقنانة وملكية الأرواح والسخرة .
جاء قانون الإصلاح الزراعي كمنظومة متكاملة ، تركت للعائلات مئات الأفدنة ، ووزعت الباقى على المهمشين ، وفى المراحل اللاحقة تم تكامل المنظومة بإنشاء الجمعيات الزراعية التى توجه الفلاح لزراعة المحاصيل الاستراتيجية كما تم انشاء بنك القرية بدون فوائد ليدفع غلواء المرابين والباشوات القدامى من التحكم فى الفلاح وإقراضه بالربا ثم الاستيلاء على ارضه بعد ذلك ، ما ادى الى زيادة مساحة الارض الزراعية يوم وفاة ناصر الى ١٥٪ .
فى ٢٦ يوليو تم تأميم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية والتى كانت الخطط حسب الدكتور مصطفى الحفناوى وحسب ما فاتحه شارل روا رئيس الشركة وقتها اثناء تحضيره رسالة الدكتوراه عن قناة السويس ان يتم عام ١٩٦٨ تدويل القناة بهيئة منتفعين يكون لمصر عضو واحد فيها وفاتحه شارل روا فى رشوة مقنعة ان يكون هو ذاك العضو وان يظل المقر الرئيسى فى باريس ، لتظل القناة خارج اى سيطرة او استفادة مصرية .
عام ١٩٥٧ وعقب العدوان الثلاثى ، تم تمصير البنوك والتى كانت تنتهب الاقتصاد المصرى ، وحولت الجانب الأكبر من غطاء الذهب المصرى للخزانة البريطانية .
عام ١٩٦١ صدر قانون تأميم الشركات ، ولم تكن مصر استثناءاً فى ذلك فقد سبقتها إنجلترا بتأميم شركات الكهرباء والنقل العام عام ١٩٤٥.
كما سبقتها ولحقتها الكثير من الدول بما فيها اسرائيل عام ١٩٨٣ حيث تم تأميم أكبر البنوك الإسرائيلية وذلك كان بسبب أزمة السندات التي ضربتها في ذلك العام.
بخصوص السودان
او ال
Soudan
وحسب النطق العنصرى الاستعمارى
والتى تعنى ارض السود .
كان هناك سوداناً فرنسياً كما كان هناك السودان الانجليزى ،
ومنذ عام ١٨٩٩ واتفاقية الحكم الثنائى والتى وقعها بطرس باشا غالى الجد ، كان الحاكم للسودان انجليزياً لا يد لحاكم مصر التابع فى تعيينه ، بل والأدهى ،
كان من غير المسموح لسلاطين مصر حسين كامل او للسلطان فؤاد ( الملك بعد ذلك ) او لخليفته فاروق ان يخطو اخد منهم حدود السودان التى وضعها الانجليز ، ولم يقم احد منهم أبداً بزيارة أملاكهم المزعومة،
كانت إنجلترا بموجب الاتفاق الثنائى تستخدم اموال مصر وخزانتها فى الإنفاق على السودان ، دون ان تمنح مصر اى سيطرة فعلية عليه ،
الأهم انه بعد حادثة فاشودة ، تم تقسيم افريقيا بين كل الدول الاستعمارية ولم تكن مصر والسودان أبداً خارج هذه القسمة .
بل والزعم بان السودان كان جزءاً من مصر يخالف حقائق التاريخ بان السودان كانت تحكمه مملكة الفونج او المملكة الزرقاء ، وقت غزو محمد على لأراضيه ، والاهم ان مملكة دارفور ظلت خارج اى سيطرة مصرية او انجليزية ، حتى هزيمة سلطانها على دينار من قبل القوات البريطانية عام ١٩١٢م
لن اتحدث عن السد العالى ومنجزات القطاع العام او قيمته والتى قدرها البنك الدولى بأكثر من ١٤٠٠ مليار دولار .
ولا عن التحول الاجتماعى والحراك الذى ناله المصريون الذين ظلوا يرسفون تحت أحكام ترسخ للسدة الاجتماعية ،
ولن اتحدث عن حرب اليمن والتى نجحنا فيها فى ان نساند الحرية لشعب ظل يرسف تحت حكم القرون الوسطى ولم تكلفنا الا الفى شهيد ولم تكلف الخزانة المصرية شيئاً ، حيث كان الملك سعود نكاية فى أخيه فيصل المنقلب عليه يمول القبائل لشراء الولاءات ونجحنا فى صنع التمدد الناعم لتامين الامن القومى المصرى وقامت الجمهورية اليمنية وكان للتواجد المصرى فى قاعدة الحديدة الفضل فى تأمين المضيق بل وإغلاقه عام ١٩٧٣.
مات جمال عبد الناصر ، و مصر تحارب ، رغم هذا انجزت الخطة الخمسية الاولى والثانية بمعدل نمو فاق ال ٨ ٪ وبسعر للدولار لم يتعدى الأربعين قرشاً ،
وبدين للاتحاد السوفيتى تبلغ قيمته فقط ٦٥٠ مليون جنيه ثمن صفقات سلاح انتصرنا به وحاربنا عدوان اسرائيل والقوى التى لم تنجح فى فرض ارادتها علينا ، وقد تنازل عنها الاتحاد السوفيتى لاحقاً ولم تسدد .
بلغ الدين العام يوم وفاة خلفه السادات ، حوالى العشرين مليار دولار ديناً خارجياً ، كما بلغ يوم إجبار مبارك على التنحي حوالى الثلاثين مليار دولار .
التعليقات مغلقة.