فى طريق الإسلام مع غزوة الخندق ” الجزء الأول “
بقلم : محمــــد الدكــــرورى
غزوة الخندق هي غزوة وقعت في شهر شوال من العام الخامس من الهجرة بين المسلمين بقيادة رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم ، ومعنى الأحزاب هم الذين هم مجموعة من القبائل العربية المختلفة التي اجتمعت لغزو المدينة المنورة والقضاء على المسلمين والدولة الإسلامية.
وكان سبب غزوة الخندق هو أن يهود بني النضير نقضوا عهدهم مع الرسولِ الكريم محمدٍ وحاولوا قتله، فوجه إليهم جيشَه فحاصرهم حتى استسلموا، ثم أخرجهم من ديارهم ، ونتيجةً لذلك، هم يهود بني النضير بالانتقام من المسلمين، فبدأوا بتحريض القبائل العربية على غزو المدينة المنورة، فاستجاب لهم من العرب: قبيلة قريش وحلفاؤها .
متمثلون في كنانة وهم الأحابيش، وقبيلة غطفان وهم فزارة وبنو مرة وأشجع وحلفاؤها بنو أسد وسليم وغيرها، وقد سُمُوا بالأحزاب، ثم انضم إليهم يهود بني قريظة الذين كان بينهم وبين المسلمين عهد وميثاق.
وأيضا من أسباب الغزوة أنه نذر أبو سفيان بن حرب حين رجع إلى مكة بعد غزوة بدر، نذر ألا يمس رأسَه ماء من جنابة حتى يغزو المدينة، فلما خرج في مئتي راكب قاصدًا المدينة، قام سيد بني النضير “سلام بن مشكم” بالوقوف معه وضيافته، وأبطن له خبر الناس، أي دله على مواطن ضعف المسلمين.
كما أنهم حاولوا اغتيال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، حينما جاءهم زائرا لتسوية بعض الأمور، فاستقبل بنو النضير الرسولَ محمداً بكثير من البشاشة والكياسة، ثم خلا بعضهم إلى بعض يتشاورون في قتله والغدر به، واتفقوا على إلقاء صخرة عليه من فوق جدار كان يجلس بالقرب منه، ولكن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أدرك مقاصد بني النضير، فنهض وانطلق عائدا إلى المدينة، ثم تبعه أصحابه بعد قليل.
وكان ردا على ذلك، صمم الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، على محاربة بني النضير الذين نقضوا العهد والمواثيق معه، وأمر أصحابه بالتهيؤ لقتالهم والسير إليهم، وأنذر بني النضير بالجلاء خلال عشرة أيام، إلا أنهم لم ينصاعوا، وانقضت الأيام العشرة ولم يخرجوا من ديارهم، فتحركت جيوش المسلمين صوبهم، واستعمل النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، على المدينة ابن أم مكتوم وسار إليهم .
وعلي بن أبي طالب يحمل اللواء، فلما انتهى إليهم فرض عليهم الحصار ، وضرب عليهم الحصارُ لمدة خمس عشرة ليلة ، والتجأ بنو النضير إلى حصونهم، فأقاموا عليها يرمون بالنبل والحجارة، وكانت نخيلهم وبساتينهم عوناً لهم في ذلك، فأمر الرسول بقطعها وتحريقها، وأدرك بنو النضير أن لا مفر من جلائهم، ودب اليأس والرعب في قلوبهم
وخاصة بعد أن أخلف عبد الله بن أبي بن سلول وعده بنصرهم، فأرسلوا إلى الرسولِ محمد صلى الله عليه وسلم ، يلتمسون منه أن يؤمنهم حتى يخرجوا من ديارهم، فوافقهم الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، على ذلك وأمرهم بأن يخرجوا محملين بأمتعتهم إلا الدروع والسلاح، فرضوا بذلك.
وبعد أن خرج يهود بني النضير من المدينة إلى خيبر، خرجوا وهم يحملون معهم أحقادهم على المسلمين، فما أن استقروا بخيبر حتى أخذوا يرسمون الخطط للانتقام من المسلمين، فاتفقت كلمتهم على التوجه إلى القبائل العربية المختلفة لتحريضها على حرب المسلمين .
وعندما عرف المسلمون بقيادة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، بأمر الهجوم من قبل الأحزاب المتجمعة من القبائل العربية المختلفة استشار رسول الله الصحابة الكرام في الامر، فأشار عليه صحابي جليل، هو الصحابي سلمان الفارسي رضي الله عنه بأن يحفر خندقًا حول المدينة المنورة، كما كان يفعل أهل فارس، فكما هو معروف إن سلمان الفارسي من بلاد فارس جاء إلى بلاد العرب وأسلم وأصبح من خيرة الصحابة .
فأمر رسول الله محمد صلّى الله عليه وسلّم ، الصحابة حفر الخندق حول المدينة المنورة استعدادًا لملاقاة الأحزاب الذين بلغ عددهم عشرة آلاف مقاتل ولم يكن عند المسلمين القدرة على مواجهة جيش بهذا العدد، فكان ما كان، وحفر المسلمون الخندق في وقت قياسي بعد أن بذلوا كل جهدهم، فحفروه في ستة أيام فقط، وانتظروا خلفه محتمين به، وقاموا أيضًا بعقد صلح مع يهود بني قريظة لحماية ظهورهم.
وفي الفترة التي خرجَ فيها يهود بني النضير إلى خيبر، كانوا لم يزالوا يكنّون الحقد والبغض على المسلمين، ويتحيّنون الفرص للانتقام منهم شر انتقام، فما لبثوا أن استقرّوا في خيبر حتّى بدؤوا يخططون للانتقام، فقاموا بمقابلة زعماء القبائل العربية وحرضوهم على قتال المسلمين، فبعثوا منهم وفدًا إلى قريش ليحرضوهم على غزو المدينة، ووعدوهم بالقتال والموالاة حلفاءً جنبًا إلى جنب .
فوافقت قريش لأنها أرادت أن تُعيد مكانتها أمام العرب، ووافقت قبيلة غطفان أيضًا أن تقاتل معهم، واستجاب لدعوات الوفد عدد من القبائل العربية أيضًا، وبذلك نجح يهود بني النضير بتجميع عدد من القبائل في جيش واحد لمحاربة المسلمين في المدينة المنورة، فوافقت قريش بقوّة وأعدت الجيوش والعتاد والخيول راغبة بفكِّ الحصار الاقتصادي الذي قام به المسلمون على قريش بعد أن هاجموا طريق قوافلها إلى الشام .
وأما غطفان فقد وافقت وعقدت اتفاقًا مع يهود بني النضير، وهو أن تدفع قبيلة غطفان جيشًا كامل العتاد قوامه ستة آلاف مقاتل ، ويهود بني النضير مقابل هذا الجيش تمرَ خيبر لمدة عام كامل ، وكان ما خطط له يهود بني النضير .
وخرجت الجيوش من الجنوب، وهي جيوش قريش وكنانة وكان قوامها أربعة آلاف مقاتل بقيادة صخر بن حرب أبي سفيان، واتجهت جيوش قبائل غطفان وبنو مرة وبنو أسد، وتجمعوا حول المدينة وتحزبوا في جيش قوامه عشرة آلاف مقاتل، أربعة آلاف من قريش وحلفائها، وستة آلاف من غطفان وحلفائها.
وقد عسكرت قرش ومن معها من جيوش الأحزاب والتي بلغ تعدادهم عشرة آلاف جندي في مجتمع الأسيال من رُوْمة، بينما عسكرت غطفان ومن معها من أهل نجد في منطقة تُدعى ذنب نقمى وهي منطقة قريبة من جبل أُحد، وعسكر المسلمون الذين كان قوامهم ثلاثة آلاف مقاتل خلف الخندق، حيث يقع الخندق بين جيش الأحزاب وجيش المسلمين المتحصّن في المدينة .
وبدأ جيش الأحزاب الهجوم على المدينة فتعجبت جيوش الأحزاب من هذه الخطة الدفاعية التي لم تعرفها العرب من قبل، وأخذوا يحاولون عبثا عبور الخندق ولكنهم فشلوا بسبب ضخامة الخندق، ويقظة المسلمين في الجهة الأخرى، حيث كان المسلمون يستقبلون من يستطيع من جيش المشركين القفز فوق الخندق، كأحد فرسان قريش وهو عمرو بن عبدود الذي قتله علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد مبارزة عنيفة.
واستمر الحال على ما هو عليه حتى اُجبرت جيوش الأحزاب بالتراجع والانسحاب، بعد فشلهم بالدخول إلى المدينة المنورة واجتياز الخندق الذي حفره المسلمون، وعاد المشركون وفرضوا حصارا آخرا على المدينة، وعندما طال الحصار ساق الله تعالى الفرج للمسلمين، فأتى رجل من بني غطفان اسمه نعيم بن مسعود الغطفاني وأعلن إسلامه .
وذهب إلى بني قريظة الذين غدروا برسول الله من قبل وأقنعهم أن يأخذوا رهائن من قريش ومن معها تحسبا لأي انسحاب يقلب أحوال الحرب ليضمن بنو قريظة استمرار الحرب، ثم ذهب هذا الرجل إلى الأحزاب وأخبرهم أن يهود بني قريظة ندموا على فعلتهم بنقض عهدهم مع رسول الله، وأبلغهم أن بني قريظة أخبروا محمدًا بن عبد الله أنهم سيطلبون من قريش رهائن تضمن لهم استمرار الحرب .
وأنهم سيدفعون بالرهائن إلى محمد ليظهروا له حسن نيتهم، وهكذا زرع هذا الرجل الغطفاني الشك في صدور الاحزاب ومن معهم من يهود بني قريظة، إضافة إلى فشلهم في اجتياز الخندق، وإضافة إلى ما بعث الله تعالى على خيام الأحزاب من البرد والريح، كلُّ هذه الأسباب أدّت إلى انتصار المسلمين على جيوش الكافرين وتحقيق وعد الله الذي وعده لعباده الصالحين .
وعندما اشتد الكرب على المسلمين أكثر مما سبق، حتى بلغت القلوب الحناجر، توجهوا إلى الرسول محمد وقالوا: ” يا رسول الله، هل من شيء نقوله ؟ فقد بلغت القلوب الحناجر ” فقال: ” نعم. اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا “.
فاستجاب الله دعاءهم وأنزل السكينة في قلوبهم، وصرف الله الأحزاب بحوله وقوته، وزلزل أبدانهم وقلوبهم، وشتت جمعهم بالخلاف، ثم أرسل عليهم الريح الباردة الشديدة، وألقى الرعب في قلوبهم، وأنزل جنودا من عنده سبحانه، فقد كان الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يقول: ” لا إله إلا الله وحده، أعز جنده، ونصر عبده، وغلب الأحزاب وحده، فلا شيء بعده ” .
وانتهت غزوة الخندق بانسحاب الأحزاب، وذلك بسبب تعرضهم للريح الباردة الشديدة، ويؤمن المسلمون أن انتصارهم في غزوة الخندق كان لأن الله سبحانه وتعالى زلزل أبدان الأحزاب وقلوبهم، وشتت جمعَهم بالخلاف، وألقى الرعبَ في قلوبهم، وأنزل جنودًا من عنده.
وبعد انتهاء المعركة، أمر الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، أصحابَه بالتوجه إلى بني قريظة، فحاصروهم حتى استسلموا، فقام الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بتحكيم سعد بن معاذ فيهم، فحكم بقتلهم وتفريق نسائهم وأبنائهم عبيدًا بين المسلمين، فأمر الرسول محمد بتنفيذ الحكم.
التعليقات مغلقة.