فى طريق الإسلام مع غزوة الخندق “الجزء الثانى “
بقلم / محمـــــد الدكــــرورى
كانت معركة الأحزاب أو الخندق من اصعب المعارك التى تواجه فيها المسلمون والمشركين ومن اشد صعوباتها انها كانت محزبه ، اى ان ليست قريش فقط هى التى تقاتل ولكنهم العرب مجتمعين ، وليس هذا فقط ولكن استطاعوا ان يدخلوا عشائر اليهود معهم فى هذا التحزب ضد المسلمون .
وإن غزوة بهذه القيمة ، لا شك أن فيها من الدروس والمعاني الكثير التي ينبغي الوقوف معها للاستفادة منها في واقعنا، ومنها ، أن الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أنزل الشورى منزلتها ورسخها في حياة الأمة، إذ الحاجة إليها في الشدائد والقرارات المصيرية على غاية من الأهمية، فالشورى استفادة من كل الخبرات والتجارب، واجتماع للعقول في عقل، وبناء يساهم الجميع في إقامته.
والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، مستغن عن الشورى، فهو المؤيد بالوحي المُسدد به، ولا حاجة به إلى الشورى، لكن لا بد من تأصيلها لتكون من أصول المجتمع التي لا يحيد عنها، ومن ثم جعلها الله من سمات المجتمع المسلم والأمة الإسلامية، فقال تعالى:
( وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ) سورة الشورى.
وكان رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، أكثر الرسل معجزة، وأظهرهم آية، فله من المعجزات التي وقعت وتكررت في أماكن مختلفة وأحداث متعددة ما لا يحد ولا يعد، منها ما حدث في غزوة الأحزاب ، أو الخندق ، من تكثير الطعام والشراب القليل، حتى أكل ألف رجل من شاة صغيرة وصاع شعير.
فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: لما حُفِر الخندق رأيت بالنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم خَمْصا أى جوعا شديدا، فانكفأت أى رجعت إلى امرأتي، فقلت: هل عندك شيء؟، فإني رأيت برسول الله صلى الله عليه وسلم ، خمصا شديدا، فأخرجت إلي جرابا فيه صاع من شعير ولنا بهيمة داجن أى شاة في البيت ، فذبحتها، وطحنت الشعير، ففرغت إلى فراغي وقطعتها في بُرْمتها .
ثم وليت إلى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، فقالت: لا تفضحني برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وبمن معه فجئته فساررته، فقلت: يا رسول الله ذبحنا بهيمة لنا، وطحنا صاعا من شعير كان عندنا، فتعال أنت ونفر معك، فصاح النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وقال: يا أهل الخندق ، إن جابرا قد صنع لكم سؤرا ، بقية طعام فحيهلا بكم .
وقال رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ـ: لا تنزلن برمتكم أى قِدركم ، ولا تخبزن عجينتكم حتى أجيء، فجئت وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقْدم الناس حتى جئت امرأتي، فقالت: بك وبك أي ذمَّته، فقلت: قد فعلت الذي قلتِ لي ، فأخرجت له عجينتنا فبصق فيه وبارك، ثم عمد إلى برمتنا فبصق فيها وبارك .
ثم قال: ادعي خابزة فلتخبز معك، واقدحي أى اغرفي ، من برمتكم ولا تنزلوها، وهم ألف فأقسم بالله لقد أكلوا حتى تركوه وانحرفوا أى شبعوا وانصرفوا ، وإن برمتنا لتغط كما هي، وإن عجيننا ليخبز كما هو . رواه البخاري .
وفي حادثة أخرى تقول ابنة بشير بن سعد : دعتني أمي عمرة بنت رواحة ، فأعطتني حفنة من تمر في ثوبي، ثم قالت: أي بُنيَّة، اذهبي إلى أبيك وخالك عبد الله بن رواحة بغدائهما، قالت: فأخذتها فانطلقت بها، فمررت برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وأنا التمس أبي وخالي، فقال: تعالي يا بنية ما هذا معك؟
فقلت يا رسول الله: هذا تمر بعثتني به أمي إلى أبي بشير بن سعد وخالي عبد الله بن رواحة يتغديانه، قال: هاتيه، قالت: فصببته في كفي رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، فما ملأتهما، ثم أمر بثوب فبسط له ثم دحا بالتمر عليه فتبدد فوق الثوب، ثم قال لإنسان عنده: اصرخ في أهل الخندق أن هلم إلى الغداء، فاجتمع أهل الخندق عليه فجعلوا يأكلون منه وجعل يزيد، حتى صدر أهل الخندق وإنه ليسقط من أطراف الثوب.رواه البيهقى
وهذه المعجزة التي أيد الله بها نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، كان لها دور كبير وأثر عظيم، في نفوس الصحابة والمسلمين من بعدهم، في زيادة إيمانهم، ومعرفتهم قدر نبيهم الكريم محمد صلى الله عليه وسلم .
وفي أثناء حفر الخندق شكا الصحابة إلى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، صخرة لم يستطيعوا كسرها، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأخذ الفأس وقال: بسم الله، فضرب ضربة كسر منها ثلث الحجر، وقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر من مكاني هذا .
ثم قال: بسم الله، وضرب ثانيةً فكسر ثلث الحجر، فقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر المدائن وأبصر قصرها الأبيض من مكاني هذا، ثم قال: بسم الله، وضرب ضربة كسرت بقية الحجر، فقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا . رواه أحمد .
وقد تحققت هذه البشارات التي أخبرت عن اتساع الفتوحات الإسلامية على يد المسلمين في عصور الخلافة، رغم أن هذه البشارات قالها النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، وفي وقت كان المسلمون فيه محاصرين في المدينة، يواجهون المشاق والخوف والجوع والبرد الشديد ، وذلك من معجزاته ودلائل نبوته صلى الله عليه وسلم .
ولقد حرص الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، في هذه الغزوة وغيرها من غزوات، على أن يؤكد لصحابته وللمسلمين من بعدهم، أن النصر من عند الله وحده، فالأحزاب التي تجاوزت عشرة آلاف مقاتل، لم تُهزم بالقتال من المسلمين رغم تضحياتهم ، ولم تهزم بعبقرية المواجهة ودقة التخطيط، وإنما هزمت بالله وحده، وما يسره الله من أسباب وسخره من جنود .
ومن المعجزات للنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، في يوم الأحزاب: استجابة الله لدعائه على المشركين، ونزول الملائكة ، فعن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فى يوم الأحزاب على المشركين، فقال: ” اللهم منزلَ الكتاب، ومجريَ السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم ” رواه البخاري .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قلنا يوم الخندق: يا رسول الله، هل من شيء نقوله؟ فقد بلغت القلوبُ الحناجر. قال: نعم، اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا . قال: فضرب الله عز وجل وجوه أعدائه بالريح . رواه أحمد .
فاستجاب الله عز وجل لرسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، وأرسل الريح، فقلعت الخيام، وكفأت القدور، وأطفأت النيران، وأطارت الحجارة، وزلزلت النفوس، وأوقعت الرعب في قلوب المشركين، ونزلت الملائكة الكرام لنصرة النبى صلى الله عليه وسلم والمؤمنين .
ومن جملة الدلائل التي ظهرت في غزوة الأحزاب: إخبار النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، بانقلاب الميزان في معاركهم مع قريش، فالمسلمون هم الذين سيغزون قريشاً بعد تلك الوقعة، وليس العكس، ولن تغزوهم قريش بعد ذلك ، فعن سليمان بن صُرَد رضي الله عنه ـ قال: سمعت النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: حين أُجلِي الأحزاب عنه ” الآن نغزوهم، ولا يغزوننا، نحن نسير إليهم ” رواه البخاري .
ومن خلال غزوة الأحزاب تعلم الصحابة التفاؤل والأمل، فبالرغم من كل تلك الظروف العصيبة الشديدة التي أحاطت بالمسلمين، من حصار جماعي من مختلف قبائل العرب واليهود، وبجيش يبلغ عشرة آلاف مقاتل، ومن جوع وخوف، وشدة برد، ومعاناة شديدة في حفر الخندق، لم ييأس المسلمون، ولم يفقدوا ثقتهم بوعد الله ونصره، بل ازدادوا إيمانا ويقينا بالله تعالى .
وقد تحقق ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حيث غزاهم بعد ذلك مرتين، الأولى: التي كانت نتيجتها صلح الحُدَيْبِيَة، والثانية: غزوة الفتح التي كانت نتيجتها فتح مكة ، وإن الدلائل والمعجزات التي حدثت للنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، في يوم الأحزاب متنوعة وكثيرة .
ومنها ما يدخل في علم الغيب المستقبلي، وإخباره عن أمور تحقق بعضها في زمانه، والآخر تحقق بعد وفاته، ومنها ما كان تكثيراً للقليل، ومنها ما كان من إعانة الله للمسلمين بجنود من عنده ، ولقد كانت الدلائل والمعجزات التي أجراها الله تعالى على يد رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ، في غزوة الأحزاب وغيرها من أحداث وقعت في حياته .
سببا في تثبيت صحابته على دينهم، وتيقنهم بصدق نبيهم المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وتفانيهم في اتباعه وخدمته والدفاع عنه صلى الله عليه وسلم ، والدلالة على علو مكانته عند ربه، وكذلك بيان مكانة هذه الأمة، ورفعة منزلتها لإيمانها واتباعها لهذا النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم .
ولقد أعطى رسول الله الكريم صلى الله عليه وسلم ، في هذه الغزوة وغيرها من الغزوات القدوة العملية في مشاركته لأصحابه التعب والعمل، والآلام والآمال ، فقد تولى المسلمون وعلى رأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، المهمة الشاقة في حفر الخندق.
ورغم طوله الذي بلغ خمسة آلاف ذراع، بعرض تسعة أذرع، وعمق يقرب من عشرة أذرع، فقد تم إنجازه في سرعة مذهلة، لم تتجاوز ستة أيام، وكان لمشاركة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الفعلية، أثر كبير في الروح العالية التي سيطرت على المسلمين في موقع العمل .
وقد تحققت هذه البشارات التي أخبرت عن اتساع الفتوحات الإسلامية على يد المسلمين في عصور الخلافة، رغم أن هذه البشارات قالها النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في وقت كان المسلمون فيه محاصرين في المدينة، يواجهون المشاق والخوف والجوع والبرد الشديد وذلك من معجزاته ودلائل نبوته صلى الله عليه وسلم .
التعليقات مغلقة.