فى طريق النور مع غزوة بدر ( الجزء الأول )
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
إن من المعارك الفاصلة التي مكن الله سبحانه وتعالى فيها لحملة رسالته ونصرهم نصرا مبينا غزوة بدر الكبرى ، ولقد سماها الله تعالى بيوم الفرقان فقال عز وجل فى محكم التنزيل ﴿ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ الأنفال
ومعركة بدر ، هى ملحمة من ملاحم الإيمان التي اشتملت على الآيات الباهرات وعلى المعجزات الظاهرات وعلى الدروس الإيمانية والتربوية والأخلاقية فهي بحق ملحمة كبرى ، لأنها أول غزوة كان لها أثرها في إظهار قوة الإسلام ، فكانت بدءَ الطريق ونقطة الانطلاق في انتشار الإسلام.
ولأنها رسمت الخط الفاصل بين الحق والباطل، فكانت الفرقان النفسي والمادي والمفاصلة التامة بين الإسلام والكفر، وفيها تجسدت هذه المعاني، فعاشها الصحابة واقعًا ماديًا وحقيقة نفسية، وفيها تهاوت قيم الجاهلية .
فالتقى الابن مقاتلاً لأبيه وأخيه والأخ مواجهة لأخيه ،لأن المحرك لها هو الإيمان بالله وحده، لا العصبية ولا القبيلة ولا الأحقاد والضغائن ولا الثأر، وفيها تجلت صور رائعة من الإيمان بالله وصفاء العقيدة وحب هذا الدين .
وها هو عبد الرحمن بن أبي بكر بعدما أسلم ، يقول لأبيه أبي بكر رضي الله عنه: لو رأيتني وأنا أُعرِض عنك في بدر حتى لا أقتلَك ، فقال أبو بكر: أما إني لو رأيتك وقتئذٍ لقتلتك ، ويقابل أبو عبيدة رضي الله عنه أباه في المعركة فيقتلَه .
وإن منزلة الجهاد منزلة عظيمة لا يصل إليها إلاَ مَن عظمت الآخرة في نفسه ، وهانت الدنيا عنده، ورسخت محبة الله في سويداء قلبه، فعاش بالله ولله ومع الله ، وبهذه العقيدة الصحيحة ربى الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أصحابه، فتسابقوا للجهاد، وواجهوا أعداء الله بثبات وإيمان .
وحرصوا على الموت حرص غيرهم على الحياة، فنصر الله بهم الدين ، وجعلهم أحياءً في الدارين ، فهم أحياء فوق الأرض بالعزة والتمكين ، وهم أحياء تحت الأرض عند ربهم يرزقون .
فعندما هاجر الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، والمسلمون إلى المدينة ، شرعوا في تكوين دولتهم الوليدة وسط مخاطر كثيرة وتهديدات متواصلة من قوى الكفر والطغيان في قريش التي ألبت العرب كلهم على المسلمين في المدينة، وفي هذه الظروف الخطيرة أنزل الله تعالى الإذن بالقتال للمسلمين لإزاحة الباطل وإقامة شعائر الإسلام.
واتبع الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم سياسة حكيمة في القتال تقوم أساسًا على إضعاف القوة الاقتصادية لقريش بالإغارة على القوافل التجارية المتجهة للشام، وبالفعل انطلقت شرارة السرايا بسرية سيف البحر في رمضان 1هـجريه بقيادة حمزة بن عبد المطلب وتوالت السرايا والتي اشترك في بعضها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بنفسه
مثل: الأبواء وبواط، حتى كانت غزوة ذي العشيرة عندما جاءت الأخبار للرسول بأن عيرًا لقريش يقودها أبو سفيان بن حرب قد خرجت إلى الشام فخرج يطلبها ففاتته إلى الشام فرجع المدينة وهو ينتظر عودتها من الشام ليأخذها.
وكان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يعتمد على سياسة بث العيون وسلاح الاستخبارات لنقل الأخبار بحركة القوافل التجارية وقد نقلت له العيون بأن القافلة راجعة من الشام محملة بثروات هائلة تقدر بألف بعير .
فندب الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم الناس للخروج لأخذ هذه القافلة فتكون ضربة قاصمة لقريش ولم يعزم على أحد فاجتمع عنده ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً معظمهم من الأنصار .
ولم يكن سوى فارسين الزبير والمقداد والباقي مشا هو كل ثلاثة يتعاقبون على بعير واحد وخرجوا وهم يظنون أنهم لا يلقون حربًا كبيرة وأرسل الرسول رجلين من الصحابة يتجسسان له أخبار القافلة ، وكان أبو سفيان قائد القافلة في غاية الذكاء والحيطة والحذر وكان يتحسس الأخبار ويسأل من لقي من الركبان حتى عرف بخروج الرسول والصحابة لأخذ القافلة فاستأجر رجلاً اسمه ضمضم بن عمرو الغفاري وكلفه بالذهاب إلى قريش ليستنفرها لنجدتهم .
وسار النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون إلى بدر ، حتى نزلوا في أدنى ماء من بدر ، فقال الحُبابُ: يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل، أمنزلاً أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: ” بل هو الرأي والحرب والمكيدة ”
فقال الحُباب: يا رسول الله، فإن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى تأتي أدنى ماء من القوم منزلة، ونغوّر ما وراءه من الماء ، ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون، فقال صلى الله عليه وسلم : ” لقد أشرت بالرأي ، وأخذ برأي الحباب .
التعليقات مغلقة.