موسوعه أدبية شاملة

teen spreads her legs for jock.https://fapfapfaphub.com

في العيد… د. إبراهيم مصري النهر

74

في العيد…

د. إبراهيم مصري النهر

في العيد

في طريق عودتي ليلة العيد إلى قريتي حيث الأهل والأقارب والأخلاء.. بعد غروب الشمس مباشــــــــــرة والظلام بدأ يرخي سداله، وباتت إنارة كشافات السيارة أمرا ملحا.. ذكرت آنفا في طريق عودتي لأني ما خرجت من هذه القرية، مسقط رأسي، إلا وأعلم علما يقترب من اليقين أني سأعود إليها مهما طال الغياب عنها.. بدأت اجترار ذكريات الطفولة، تسوقني إليها أطلال الماضي ويحملني إليها الشوق والحنين؛ لي في كل شبر من طرقاتها وسككها مواقف وذكريات، فهنا كنت ألعب الكرة مع أقراني، وهناك وتحت شجرة الصفصاف وعلى ضفاف الترعة كنت أجلس وأحفظ النصوص، وتلك شجرة التوت التي شابت وتعرت من أوراقها بعد أن كانت وارفة الظلال، كنت أتسلقها وأقطف من أغصانها الفصوص طازجة، وتحتها كان يجلس جدي مع مَن هم في سنه، يتبادلون أطايب الحديث، ماتوا جميعا -رحمة الله عليهم-
وهكذا كل مكان فيها يذكرني بأكثر من مشهد، مشهد اكتسبت منه خبرة، ومشهد لعبت فيه، ومشهد آخر ضحكت فيه من قلبي.

ياااااا أسفااااه على ما أصبحنا عليه الآن؛ وجوه عابسة وضحكات مصطنعة لا تتجاوز فتحة الفم.

عندما أضأت كشافات السيارة رأيت سوادا لامرأة من بعيد، تحمل فوق رأسها سبتا مغطى ببشكير، عندما اقتربت منها توقَّفَتْ لبرهة من الوقت في إشارة إلى حاجتها إلى الركوب، لم تشر بيدها ولكنها أشارت بقلبها إشارة ضمنية لا يفهمها إلا القليل ممن عاش مثل هذه الظروف.
ثم واصلَت السير وأظن أنها لم تتوقع لبرهة وقوفي لها، فمن الذي يجبر من يقود سيارة ملاكي أن يقف لامرأة لا يعرفها، وتحمل سبتا ممتلئ، وحذاؤها قد تلوث بالطين؟!
لكني أفسدت عليها ظنها وفاجأتها بالوقوف وحملتها معي أخْذًا بحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (من كان عنده فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له)
وفي الطريق سألتها عن حالها، فعلمت أنها أرملة وتجري على أربعة أطفال لها تطعمهم وتعلمهم -كان الله في عونها-

بالقرب من بيتها نزلت وتوارت شيئا فشيئا في الظلام.

شغلني كثيرا أمرها وقررت مساعدتها.. الليل بات طويلا وأنا تائه بين صرخات ضميري، ونقيق الضفادع الآتي من حقول الأرز المجاورة وحفيف أشجار الكافور المحيطة بالبيت تؤرق مضجعي..
في الصباح الباكر وبعد صلاة العيد مباشرة ومن خلال شرفتي في بيت القرية جلست أراقب بهجة العيد؛ في عيون الشارع التي تكسوها خضرة الأشجار، وفي ألسنة الشمس المحملة بالتكبير والتهليل، وفي براءة الأطفال وفرحتهم بملابسهم الجديدة، وهم يحملون بالونات بألوان وأحجام مختلفة.. وعلى هامش الصورة رأيت مشهدا من عبق الماضي؛ رأيت نسمة للجو الريفي المشبع بالألفة واللمة بين الفلاحات أمام الفرن البلدي وبينهن العجين؛ واحدة تحمل طفلا، وأخرى أمام وهج الفرن، تتوسطهن ثالثة تخبز قطع العجين…..
والكلب باسط ذراعيه في سلام خلفهن، والسلم الخشبي مسند على الحائط المعلق عليه أعراش الثوم والبصل، ولمحت الزير المهجور….
وسمعت صياح الأضاحي الذي لم يلبث أن اختفى، وأتت أصوات السواطير من كل بيت وهي تهشم عظام الأضاحي، وفاحت رائحة الكبد المطهو محملة بنكهة التوابل تستثير الشهية، وبدأ الجيران يتهادون باللحم..
تذكرت هذه الأرملة، أخذت نصيبا من اللحم وهرولت إليها، طرقت الباب؛ خرج أولادها.. بتودد مسحت على رءوسهم وأعطيتهم نصيبهم، قال كبيرهم: لا يا عمي، لقد ذبحت أمي شاتنا بالأمس عند الجزار وأتت بها في السلة في المساء، ثم فتح الباب أكثر، وأكمل: ها هي رأسها.. مشيرا إلى رأس شاة في الصالة، واستدرك: ولحمها في الثلاجة، وكبدها على النار تستوي…
قلت له بابتسامة هادئة: وهذا أيضا بعضا من لحمها.

د. إبراهيم مصري النهر
أخصائي الأمراض الصدرية
مستشفى صدر دمنهور

التعليقات مغلقة.