في تربية الطفل من خبرات العمر د.وجيهة السطل
كرم الله تعالى الإنسان .واهتم الإسلام بالطفولة. وأعطى الطفل حقوقه منذ المراحل المبكرة ولنقل من عالم الذر.وقبل أن يخرج من صلب أبيه،إلى رحم أمه، ليتدرج في قصة الخلق المعجزة.
فقد دعا الإسلام إلى حسن اختيارالزوجة،التي ستكون أمًّا لذاك الطفل . فقال صلى الله عليه وسلم:
(تنكح المرأة لثلاث لمالها وجمالها ودينها.. فاظفر بذات الدين تربت يداك.)
وقال -صلى الله عليه وسلم- : (تخيروا لنطفكم، فإن العرق دسّاس)
كذلك فإنه -صلى الله عليه وسلم- طالب الآباء بحسن اختيار أسماء أولادهم ،فقال: (إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم،فحسّنوا أسماءكم)
ولنفتح الباب واسعا ،وندخل إلى حديث تربية،الطفل. .
التربية علم وفن ودأب ومثابرة وابتكار.
والطفل عجينة لينة تطبع عليها ماتريد لها، من قيم ، في الأخلاق والسلوك والعقيدة والتفكير . فإذا دخلت فرن الحياة نضجت بصورة يرضى عنها الله، وترضاها أنت ، ويرضاها الطفل/ة عندما يكبر .
.الطفل خامة طيبة طيعة . والفائز من نقش عليها بصدق وإخلاص وإيمان . والأم طبعًا هي المسؤولة الأولى عن ذلك .
والطفل يفهم ما نقول منذ الشهر السادس من العمر ،ولكن ذلك يتوقف على أسلوب نقل المعلومة .
وهو يخزن مايسمع لغة ودلالات وقيمًا سلوكية ودينية وأخلاقية ،ثم يصدرها لنا بدءًا من سن الثالثة،او الرابعة،حسب مستواه في الذكاء. .
ومن الخطأ تربويًّا ، أن يهوي الصغير دون الثانية أوالثالثة من العمر على وجه أبيه، أو أمه أو أي من الكبار حوله بكفّه الصغيرة؛ فيضحكون ويقهقهون بل ويقبلونه!!.بل يجب أن يظهروا له وجهًا عبوسًا، يوصل للطفل رسالة عدم الرضا. ويكفّوا عن مداعبته.. والطفل سيفهم الرسالة دون كلام أو تأنيب، ولن يعود لمثلها.
وتربية الطفل تبدأ من ستة أشهر.وكل تصرف أو كلمة بذيئة تصدر من الطفل ويسكت الكبار عنها، فإنه يعدّ سكوتهم،
وعدم الاعتراض عليها، موافقة على صحتها
أنتم -أيها الآباء- تربّون فردًا صالحًا للمجتمع، وليس الطفل لعبة تتسلَّوْن بها .
كذلك فإن النوم للأطفال مهم جدًّا.ويجب أن تكون ساعه نومه مقدسة عند الأبوين والطفل؛ ولا تتجاوز التاسعة مساء بأي حال من الأحوال. فالطفل ينمو أثناء النوم، وكثيرٌ من الغدد والهرمونات الصحية التي خلقها الله -سبحانه وتعالى-في أجسامنا، تعمل في الليل،في الظلام، وأثناء النوم.وهذا يسري على الكبار ايضًا. لذا فيجب أن يحرص الأبوان على موعد نوم الطفل، وعلى عدد ساعات نومه .
اللغة والطفل:
يبدأ معظم الأطفال بلفظ بَ أو باثم يكررها الطفل فتخرج بابا. وقد حاولوا معرفة أصل هذا اللفظ، ولأي لغة ينتمي.وحاولت كل لغة نسبه إليها.
وكل أمهات العالم حزينات ،لأنهن يرضعن ،ويغيّرن الملابس ويسهرن الليالي ،وأول لفظ ينطقه الطفل بابا!! وهذا ليس ولاء للأب من دون الأم ،وإنما خضوعٌ لمعايير صوتية فيزيائية بحتة.ولا تشقّوا على أنفسكم بالبحث عن أصولها فهي لغة كلِّ أطفال العالم.ولا تعجز أيُّ لغة عن إثبات نسبها إليها.
فالحقيقة العلمية تقول: البحث في أصل اللغات يقول: إن أصل اللغات ثنائيات صوتية، تطورت فيما بعد وفق عوامل شتى.وهناك جذور صوتية مشتركة في كل لغات العالم ،وكلٌ يدعيها له، وليس بذاك. وإنما هي مشتركات صوتية بشرية.
والمعروف أن أول الأصوات التي ينطقها الرضيع هي الباء ،(إذا استتثنينا الهمزة والهاء والعين) وكلها أصوات تخرج من الرضيع عفوًا بحكم الصراخ والبكاء ،وقد تصدر عنه الخاء) والباء سهلة المخرج ،شفوية انفجارية مجهورة.
ويتعلم الطفل اللغة بمحاكاة الأصوات التي يسمعها في البيئة الصوتية المحيطة به .ومسؤولية هؤلاء المتكلمين من حوله مسؤولية جسيمة، في تخيّر ألفاظهم راقيةً أوسوقية، وفي اختيار طريقة نطقهم لها.
وحين يثغو الطفل بكلمات غير صحيحة نطقًا أو مخارج حروف، لا تضحكوا مهما كان اللفظ مضحكًا، ولا ترددوا اللفظ الخطأ بعده،ولا تتحدثوا لغته. بل أعيدوا أمامه اللفظ صحيحًا،أكثر من مرة. وهو سيمحو الخطأ ،ويخزن الصحيح في الذاكرة ليفاجئكم بالنطق الصحيح للكلمات مرة واحدة بعد وقت من الزمن قد يقارب السنة. !!.
العلم والمعرفة ومفردات اللغة:
انقلوا له كل ما ترغبون له معرفته،من أخلاق،وقيم، وعالجوا كل عيوب في سلوكياته في قصص ما قبل النوم. وليحرص الوالدان على تنمية حب الله ورسله،وتعويد الطفل المسلم على سماع القرآن الكريم، وبخاصة قبل النوم. واختيار السور التي يسهل عليه فهم آياتها. ولتشرحوها له،ولا تتركوها أصواتًا مبهمة للترتيل فقط.
كنت أشرح لحفيدتي سورة القارعة ،وكانت في الخامسة من عمرها . وحين ذكرت لها عقاب من تطغى سيئاته في الميزان على حسناته، انفجرت بالبكاء . ظنًّا منها أن الحسنات .إنما هي تلك الشامات الصغيرة التي تظهر على الجلد .وقالت : (تيته ماعنديش غير تلات حسنات) .فضممتها إلى صدري، وهدأت من رَوعها .وذكرت لها قائمة الحسنات التي تثقل الميزان .
■ التربية المثلى:
والتربية السليمة تحتاج إلى حزم وثقافة واطلاع. وهي ليست تربيةً للجسد صحيًّا فقط،ولا اهتمامًا بالطعام والشراب والألعاب والنظافة، بل هي تربية روح ونفس وتفكير وسلوك، وبناء شخصية.فلا تَعِدِ ابنك وعدًا لا تعنيه، أو لا تستطيع تنفيذه. ولا تأمره باتباع فضيلة أخلاقية لا تمارسها أمامه بشكل عملي. ولا تطلق الأوامر دون تفسير،أو إقناع،بل يجب أن تقول للطفل،افعل كذا والنتيجة كذا.
ولا تفعل هذا لأن عواقبه كذا . ويجب أن تعلم الطفل مفهوم تحمل المسؤولية منذ الصغر. فالعمل الجيد يثاب عليه، بالقول أو الاحتضان،أو القبلات. والتصرف السيئ من قول أو عمل يجب أن ينال عقابه. ويتدرج العقاب ويتنوع في المدة والتوصيف حسب العمر.
■ ويجب أن تعبِّر للطفل عن مشاعرك نحوه ،وحبك له، وتحتضنه خلال اليوم،وحين يصحو وقبل النوم،لأن الحضن يرفع من هرمون السعادة الذي يفرزه الجسم، ويملأ الطفل بالطاقة الإيجابية ،ويساعدك على إعداد شخصية سوية.
وعلّمه كيف يعبر عن نفسه ومشاعره بالمثل.
■ واحرص حين يبلغ من العمر الثامنة أن يجيب هو الآخرين في أي لقاء على أسئلتهم له، ولا تُجِبْ عنه.
■ حبب إليه العلم والقراءة منذ،السنوات الأولى، وليكن الكتاب أحد محتويات رفوف غرفته،أو خزانة ألعابه.وكن حذرًا في اختيار ألعابه،بما يتلاءم مع سنه
واحرص على أن تكون للمتعة والترفيه والفائدة المعرفية .
■ وكن حذرًا مع أجهزة العصر التكنولوجية،في سنوات العمر الأولى. ولا تتركها بيده في اليوم أكثر من ساعة منقسمة إلى فترتين. ولتكن مزودة بألعاب تعليمية تفيده.
■ وراقب ما حول الطفل فوق سن الثامنة حتى الثامنة عشرة من شخصيات ونماذج بشرية. فالقدوة تتنوع في حياته ومجتمعه، بتنوع فعاليات الحياة وأنشطتها.
والمربي الذكي من استطاع التقاطها وتوظيفها ، لرسم طريق،أو الاهتداء إليه ،أو اكتشاف القدرات الذاتية لدى أبنائه .
ومصيبتنا اليوم في إعلامنا المتدهور أنه لا يضع الأطفال -مستقبل الوطن- في اهتماماته مطلقًا.
فقد توقف المبدعون عن الكتابة للأطفال، وكفّ الإعلام عن إعداد برامج تليق بأطفال التكنولوجيا الأذكياء. وتركوهم فريسة لشبكة الانترنت ، وما يصادفونه على شتى المواقع، من غث أو سمين، وبلغة غير لغتهم.
وقليل من الآباء من يتابعون أبناءهم فيما يتلقَّون ،ويشاهدون .
■ الأطفال هم العقد الذي يزين جيد الوطن،والذي سيزهو الوطن به،ويزهر في المستقبل. ولابد أن تكون حبات العقد كلها سليمة متماثلة نفيسة بالقدر نفسه، كي يصلح لتزيين جيد الوطن، فيسير قدمًا متفاخرًا ببنيه
■ وأتوجه بإنذار للجميع: الدولة ممثلة في حكومتها ووزرائها المعنيين بالأمر. والكتّاب والمبدعين،ودور النشر.
لن يسامحنا التاريخ، حين يكبرهؤلاء الأطفال ، ولايكبر الوطن بهم.
هي منظومة تبدأ بك وبي .ثم بمن تعول، ثم بوضع خطة تربوية تعليمية للنشء منذ أن يسلمه أهله للمؤسسة التعليمية. وتشمل إعداد المحضَن والحاضن، ووسائل التعليم عن طريق اللعب.
والدولة هي المنوط بها الاعتناء بمكان العلم، وبالقائمين عليه،علميًّا وتربويًّا واقتصاديًّا .
وإذا أصلحنا الآباء،
تدرَّج الأبناء كلٌّ في مراحله التعليمية.،محاطًا بما ينبغي من رعاية واهتمام. وسيغدو الحصاد جميلًا مشرقًا بإذن الله.
هذا الحديث الذي استغرق مني دقائق لم تبلغ نصف ساعة ، سوف يستغرق على أرض الواقع سنين عددًا، من الكدِّ والتعب والجهد المخلص.
..وفق الله الجميع، وحفظ مصر وسورية وشعبيهما،وجميع أطفال الوطن العربي مستقبل الأمة.
تحياتي
التعليقات مغلقة.