في جهاد الصحابة.. الحلقة الخامسة بعد المائة.. فضل صلح الحديبية (6)
في جهاد الصحابة..
الحلقة الخامسة بعد المائة.. فضل صلح الحديبية (6)
بقلم/ مجدي سـالم
خامس عشر.. في رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم..
- كانت هناك مسألة أخرى تتردد في نفس بعض المسلمين وهي الرؤيا التي رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم.. في دخولهم المسجد الحرام.. فقد ظنّوا أنها هذا العام.. فلما لم تتحقق وانتهى الصلح بالتأجيل وجدوا لذلك أسى وحزنا في نفوسهم.. حتى بين لهم الرسول أن الرؤيا ليس بلازم أن تتحقق هذا العام.. فقد سأل الفاروق عمر رسول الله عن هذا.. فقال: “أفأخبرتك أنك تأتيه هذا العام؟”.. قال: لا.. قال: “فإنك اتيه ومطوّف به”.. وكذلك سأل الفاروق الصديق عن الرؤيا.. فأجابه بما أجاب به الرسول صلى الله عليه وسلم..
- والحقيقة أن رؤياه عليه الصلاة والسلام.. والتحرك صوب مكة لإداء العمرة. ومن ثم انعقاد صلح الحديبية كانت مجموعة من الأحداث التي عبدت الطريق إلى فتح مكة.. فبدلا من الدخول لإداء العمرة تحت راية قريش.. كان دخول مكة تحت رايات النصر للإسلام.. إضافة إلى ضم الصحابة الذين أسلموا بعد الصلح في مكة إلى معسكر المسلمين بعد فترة وجيزة.. كما أن انضمام العديد من القبائل إلى معسكر الإسلام.. ومبايعتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم.. فيما سمي بعام الوفود.. قد أضاف قوة كبيرة إلى جيش فتح مكة.. وأعز الإسلام وأضاف رهبة إلى رهبته في قبائل الجوار..
- ظهر للمسلمين مع مرور الزمن كيف صبر الرسول صلى الله عليه وسلم وقوة احتماله.. وكيف أن تنازله عن بعض حقوقه في سبيل إتمام الصلح قد أتى ثماره لصالح المجموع.. ولو أن النبي استجاب لرغبات بعض المسلمين أو لهوى في نفسه لما تمّ الصلح.. وهذا دلل على أنه نبي يوحى إليه.. كما يدل على سمو نفسه سموا يعلو على الجاه وعن هوى النفس وعن الألقاب.. وكل ذلك كان حرصا على الوفاء بما وعد به حيثما قال: «والله لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها» .
سادس عشر.. نحر النبي هديه ودور السيدة أم سلمة.. - لما فرغ النبي من كتابة العهد قال لأصحابه: «قوموا فانحروا ثم احلقوا» ثلاث مرات- فما قام منهم أحد.. فقد أذهلهم ما هم فيه من الغم.. والحزن عن أمر الرسول.. فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على زوجه أم سلمة وكانت قد خرجت القرعة عليها لصحبته في سفرته هذه.. فذكر لها ما وجد من الناس.. فقالت- وكانت عاقلة حازمة.. وهو موقف عظيم سجلته السنة المطهرة للسيدة أم سلمة..
- يا نبي الله.. اخرج.. ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك.. وتدعو حالقك فيحلقك..
- فخرج فلم يكلّم أحدا منهم حتى فعل ذلك.. فلما رأوا ما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم قاموا فنحروا.. وحلق بعضهم وقصّر اخرون.. فقال الرسولصلى الله عليه وسلم.. «يرحم الله المحلّقين» قالوا: والمقصّرين يا رسول الله.. قال: «يرحم الله المحلقين» قالوا: والمقصّرين.. قال: «يرحم الله المحلقين» قالوا: والمقصّرين.. قال: «والمقصرين» قالوا: يا رسول الله لم ظاهرت- للمحلقين دون المقصرين؟ قال..” لأنهم لم يشكّوا”..
سابع عشر.. في طريق العودة ونزول سورة الفتح.. وبيان فضل صلح الحديبية.. - في الطريق للعودة إلى المدينة المنورة.. أنزلت على نبي الله صلى الله عليه وسلم سورة الفتح.. روى البخاري في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسير في بعض أسفاره وعمر بن الخطاب يسير معه ليلا.. فسأله عمر عن شيء فلم يجبه ثلاثا- قال عمر: فحركت بعيري ثم تقدمت أمام الناس.. وخشيت أن ينزل فيّ القران.. فما نشبت أن سمعت صارخا يصرخ بي.. فقلت: لقد خشيت أن يكون نزل فيّ قران.. فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلّمت عليه.. فقال: «لقد أنزلت عليّ الليلة سورة لهي أحبّ إليّ مما طلعت عليه الشمس» ثم قرأ..” إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً… السورة”..
- ورواه أيضا الإمام أحمد الترمذي والنسائي والطبراني.. وقد بيّنت رواية الطبراني ورواية أخرى أن نزولها كان لدى مرجعه من الحديبية.. وهو المراد بالسفر المذكور.. وقد اختلف في مكان نزولها.. فقيل: بالجحفة.. وقيل: بكراع الغميم.. وقيل بضجنان.. والأماكن الثلاثة متقاربة.. وهذا يدل على أن هذه السورة نزلت بعد صلح الحديبية لا بعد فتح مكة.. كما يزعم بعض الناس..
-فقال رجل.. يا رسول الله أو فتح هو؟ قال: «أي والذي نفسي بيده إنه لفتح».. - كما ورد ذلك صريحا عن بعض الصحابة.. روى البخاري بسنده عن أنس رضي الله عنه إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً قال: الحديبية. وروى بسنده عن البراء بن عازب قال:تعدون أنتم الفتح فتح مكة.. وقد كان فتح مكة فتحا.. ونحن نعدّ الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية.. يعني الفتح في قوله: إِنَّا فَتَحْنا…. الآية..
وما أحسن ما ورد عن الصدّيق رضي الله عنه في هذا قال: (ما كان فتح في الإسلام أعظم من فتح الحديبية.. ولكن الناس قصر رأيهم عما كان بين محمد وربه.. والعباد يعجلون.. والله لا يعجل لعجلة العباد حتى تبلغ الأمور ما أراد..
أراكم على خير إن شاء الله..
التعليقات مغلقة.