في جهاد الصحابة.. الحلقة الخامسة والخمسون.. العباس بن عبد المطلب.. رضي الله عنه.. (3)
في جهاد الصحابة..
الحلقة الخامسة والخمسون.. العباس بن عبد المطلب.. رضي الله عنه.. (3)
بقلم المهندس مجدي سالم
ثالثا.. بقية.. في أسر العباس في بدر.. روى عُبيد بن أوس ــ مُقَرِّن ــ الظَفَري قال:
- ( لمّا كان يوم بَدر أسرتُ العبّاس بن عبد المطّلب.. وعَقيل بن أبي طالب.. وحَليفًا للعبّاس فِهْرِيًّا فَقرَّنـْتُ العبّاس وعَقيلًا.. فلمّا نظر إليهما رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم سمّاني مقرّنًا وقال: “أعانك عليهما مَلَك كريم”)..
- وقال العبّاس بعد أن أُسر في بدر: ما فعل محمّد أَصَابَهُ القتل.. قال أبو اليَسَر: الله أعزُّ وأنصر.. فقال العبّاس: كلّ شيء ما خلا محمّدًا خَلَلٌ فما تريد؟ قال: إنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم.. نهى عن قتلك..
- فقال العبّاس: ليس بأوّل صِلَته وبرّه..
- وروى ابن عبّاس أنّ النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم قال لأصحابه يومَ بدْر: “إني عرفْتُ أنّ رجالًا من بني هاشم وغيرهم قد أُخْرِجوا كُرْهًا لا حاجةَ لهم بقتالنا.. فمَن لقي منكم أحدًا من بني هاشم فلا يقتله.. مَن لقي العبّاس بن عبد المطّلب عمّ النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم.. فلا يقتله فإنّمَا أُخْرِجَ مستكرهًا”..
- قال: فقال أبو حُذيفة بن عُتبة بن ربيعة: نقتل آباءنَا وأبناءنَا وإخواننا وعشائرنا ونترك العبّاس؟ والله لئن لقيتُه لألحمنّه السيف.. فبلغت مقالتُه رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم.. فقال لعمر بن الخطّاب:
- “يا أبا حفص.. قال عمر: والله إنّه لأوّل يومٍ كناني فيه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بأبي حفص..أيُضْرَب وجهُ عمّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بالسيف؟ فقال عمر: دَعْني وَلأضْرِبْ عُنُقَ أبي حُذيفة بالسيف.. فوالله لقد نافق”.. قال: وندم أبو حُذيفة على مقالته.. فكان يقول: (والله ما أنا بآمنٍ من تلك الكلمة التي قلت يومئذ.. ولا أزال منها خائفًا إلا أن يكفّرها الله عزّ وجلّ عنّي بالشهادة).. فقُتل يوم اليمامة شَهيدًا وروي أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال لأبي حذيفة: “أنتَ القائل كذا وكذا؟” قال: نعم يا رسول الله: شقّ عليّ إذا رأيتُ أبي وعمىّ وأخي مُقتّلين فقلتُ الذي قلتُ.. فقال له رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: “إن أباك وعمّك وأخاك خرجوا جادّين في قِتالنا طائعين غير مُكْرَهين.. وإنّ هؤلاء أُخرجُوا مُكْرَهين غير طائعين لقتالنا”..
- ونزل القرآن الكريم في هذه المناسبة يقول: ” يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الْأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ”..
- فدى العباس نفسه ومن معه.. وقفل راجعا الى مكة .. ولم تخدعه قريش بعد ذلك عن عقله وهداه.. فبعد حين جمع ماله وحمل متاعه.. وأدرك الرسول بخيبر.. ليأخذ مكانه في موكب الاسلام.. وقافلة المؤمنين .. وصار موضع حب المسلمين واجلالهم العظيم.. لا سيما وهم يرون تكريم الرسول له وحبه اياه وقوله عنه : ” انما العباس صنو أبي ..فمن آذى العباس فقد آذاني”..
رابعا.. العباس في يوم حنين.. كان صوت العباس رضي الله عنه يومئذٍ وثباته من ألمع مظاهر السكينة والاستبسال.. فبينما كان المسلمون مجتمعين في أحد أودية “تهامة” ينتظرون مجيء عدوهم.. كان المشركون قد سبقوهم إلى الوادي وكمنوا لهم في شعابه شاحذين أسلحتهم.. وعلى حين غفلة انقضوا على المسلمين في مفاجأة مذهلة جعلتهم يهرعون بعيدًا.. وكان حول النبي ساعتئذٍ أبو بكر.. وعمر.. وعليّ.. والعباس وبعض الصحابة.. يروي العباس رضي الله عنه:
- (شهدتُ مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يومَ حُنين.. فلزمتُه أنا وأبو سُفْيان بن الحارث بن عبد المطّلب فلم نفارقه.. والنبيّ صَلَّى الله عليه وسلم على بغلة له بيضاء أهداها له فَرْوَةُ بن نُفاثة الجُذاميّ.. فلمّا التقى المسلمون والكُفّار ولّى المسلمون مُدْبِرين.. وطفق رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يَرْكُضُ بغلتَه نحو الكُفّار.. يكمل العبّاس: وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم.. أكُفّها إرادة أن لا تُسْرِعَ.. وأبو سفيان آخِذٌ بركاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم.. فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم:
- “يا عبّاس نادِ: يا أصحاب السَّمُرة”.. قال عباس: وكنتُ رجلًا صَيّتًا فقلتُ بأعلى صوتي: أين أصحاب السمرة.؟ فوالله لَكَأنّي عَطْفَتَهم حين سمعوا صوتي عَطْفَة البقر على أولادهم.. فقالوا: يا لبّيْكَ يا لبّيْك..
- قال: فاقتتلوا هم والكُفّار.. والدعوة في الأنصار يقولون: يا معشر الأنصار يا معشر الأنصار.. ثمّ قَصُرَت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج فقالوا: يا بني الحارث بن الخزرج يا بني الحارث.. قال: فنظر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم.. وهو على بغلته وهو كالمتطاول عليها إلى قتالهم.. فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: “هذا حين حَمِيَ الوطيسُ”.. قال: ثمّ أخذ حَصَياتٍ فرمى بِهنّ وجوهَ الكُفّار ثمّ قال: “انهزموا وربِّ محمّد!” قال: فذهبتُ أنظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى.. قال: فوالله ما هو إلا أن رماهم رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بحصياته.. ثمّ ركب فإذا حَدُّهم كَليلٌ.. وأمرهم مُدْبِر حتى هزمهم الله)..
إلى لقاء إن شاء الله..
التعليقات مغلقة.