في جهاد الصحابة.. الحلقة السابعة
مجدي سالم
خباب بن الأرت.. رضي الله عنه – 2
ذكر أن عمر بن الخطاب.. في خلافته سأل خبابًا عما لقي في ذات الله تعالى.. فكشف خباب عن ظهره.. فإذا هو كأنه قد برص.. فقال عمر.. ما رأيت ذا اليوم.. فقال خباب.. يا أمير المؤمنين.. لقد أوقدوا لي نارا ثم سلقوني فيها.. ثم وضع رَجُل رجله على صدري فما التقيت الأرض أو قال.. برد الأرض- إلا بظهري.. وما أطفأ تلك النار إلا شحمي.. إنه “خباب بن الأرت.. أستاذ فنّ الفداء.. عن الكلم الطيب..
أولا.. يوم عرف عن الإسلام..
خرج نفر من القرشيين.. يغدّون الخطى.. ميممين شطر دار خبّاب ليتسلموا منه سيوفهم التي تعاقدوا معه على صنعها.. وقد كان خباب سيّافا.. يصنع السيوف ويبيعها لأهل مكة.. ويرسل بها الى الأسواق..
وعلى غير عادة خبّاب الذي لا يكاد يفارق بيته وعمله.. لم يجده ذلك النفر من قريش فجلسوا ينتظرونه..
وبعد حين طويل جاء خباب على وجهه علامة استفهام.. لكن جبهته مضيئة.. وفي عينيه دموع مغتبطة.. وحيّا ضيوفه وجلس..
وسألوه عجلين.. هل أتممت صنع السيوف يا خباب ؟؟ وجفت دموع خباب.. وحل مكانها في عينيه سرور متألق..
- وقال وكأنه يناجي نفسه.. ان أمره لعجب..
- وعاد القوم يسألونه.. أي أمر يا رجل.. ؟؟ نسألك عن سيوفنا.. هل أتممت صنعها.. ؟؟
- ويستوعبهم خبّاب بنظراته الشاردة الحالمة ويقول.. هل رأيتموه.. ؟ هل سمعتم كلامه.. ؟
- وينظر بعضهم لبعض في دهشة وعجب.. ويعود أحدهم فيسأله في خبث.. هل رأيته أنت يا خبّاب.. ؟؟
- ويسخر خبّاب من مكر صاحبه.. فيردّ عليه السؤال قائلا.. من تعني.. ؟
- ويجيب الرجل في غيظ.. أعني الذي تعنيه.. ؟
- ويجيب خبّاب بعد اذ أراهم أنه أبعد منالا من أن يستدرج.. وأنه اعترف بايمانه الآن أمامهم.. فليس لأنهم خدعوه عن نفسه.. واستدرجوا لسانه.. بل لأنه رأى الحق وعانقه.. وقرر أن يصدع به ويجهر..
- يجيبهم قائلا.. وهو هائم في نشوته وغبطة روحه.. أجل.. . رأيته.. وسمعته.. رأيت الحق يتفجر من جوانبه.. والنور يتلألأ بين ثناياه.. !!
- وبدأ عملاؤه القرشيون يفهمون.. فصاح به أحدهم.. من هذا الذي تتحدث عنه يا عبد أمّ أنمار.. ؟؟
- وأجاب خبّاب في هدوء القديسين.. ومن سواه.. يا أخا العرب.. من سواه في قومك.. من يتفجر من جوانبه الحق.. ويخرج النور بين ثناياه.. ؟!
- وصاح آخر وهبّ مذعورا.. أراك تعني محمدا..
- وهز خبّاب رأسه المفعم بالغبطة.. وقال.. نعم انه هو رسول الله الينا.. ليخرجنا من الظلمات الى االنور..
ولا يدري خبّاب ماذا قال بعد هذه الكلمات.. ولا ماذا قيل له.. كل ما يذكره أنه أفاق من غيبوبته بعد ساعات طويلة ليرى زوّاره قد انفضوا.. وجسمه وعظامه تعاني رضوضا وآلاما.. ودمه النازف يضمّخ ثوبه وجسده..
وحدّقت عيناه الواسعتان فيما حوله.. وكان المكان أضيق من أن يتسع لنظراتهما النافذة.. فتحامّل على آلامه.. ونهض شطر الفضاء وأمام باب داره وقف متوكئا على جدارها.. وانطلقت عيناه الذكيتان في رحلة طويلة تحدّقان في الأفق.. وتدوران ذات اليمين وذات الشمال.. انهما لا تقفان عند الأبعاد المألوفة للناس.. انهما تبحثان عن البعد المفقود.. . أجل تبحثان عن البعد المفقود في حياته.. وفي حياة الناس الذين معه في مكة.. والناس في كل مكان وزمان..
ثانيا.. إذن لقد أسلم خباب.. عرف أن الحديث الذي سمعه من محمد عليه الصلاة والسلام اليوم.. هو النور الذي يهدي الى ذلك البعد المفقود في حياة البشر كافة؟؟.. واستغرق خبّاب في تأمّلات سامية.. وتفكير عميق.. ثم عاد الى داخل داره.. عاد يضمّد جراح جسده.. ويهيئه لاستقبال تعذيب جديد.. وآلام جديدة..!
ومن ذلك اليوم أخذ خبّاب مكانه العالي بين المعذبين والمضطهدين.. أخذ مكانه العالي بين الذين وقفوا برغم فقرهم.. وضعفهم يواجهون كبرياء قريش وعنفها وجنونها.. أخذ مكانه العالي بين الذين غرسوا في قلوبهم سارية الراية التي أخذت تخفق في الأفق الرحيب منحية عصر الوثنية.. والقيصرية.. مبشرة بأيام المستضعفين والكادحين.. الذين سيقفون تحت ظل هذه الراية سواسية مع أولئك الذين استغلوهم من قبل.. وأذاقوهم الحرمان والعذاب.. وفي استبسال عظيم.. حمل خبّاب تبعاته كرائد.. يقول الشعبي.. ” لقد صبر خبّاب.. ولم تلن له أيدي الكفار قناة.. فجعلوا يلصقون ظهره العاري بالرضف حتى ذهب لحمه..
أراكم غدا إن شاء الله..
التعليقات مغلقة.