في جهاد الصحابة الحلقة السابعة والتسعون “الكفار بمكة يسجدون لله تأثرا بالقرآن “…مجدى سالم
في جهاد الصحابة.. بقلم/ مجدي سـالم
الحلقة السابعة والتسعون.. الكفار بمكة يسجدون لله تأثرا بالقرآن..
فاتنا أن نذكر.. أنه بالتزامن مع ما حدث في هجرة المسلمين الأولى إلى الحبشة.. وتزامن أيضا مع حدث إسلام البطلين حمزة بن عبد المطلب وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما- تزامن حدث آخر عجيب في مكة وفي ساحة البيت الحرام.. وكان في رمضان في السنة الخامسة من البعثة.. فقد كان من أساليب الكافرين لمنع الناس من التأثر بكلام الله سبحانه وتعالى أن يمنعوا أنفسهم من السماع أصلاً؛ لأنهم يعلمون أنه لو سمع أحدهم القرآن فقد يؤمن به.. قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لاَ تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصِّلت: 26]..
- لكن الذي حدث في رمضان في السنة الخامسة من البعثة هو أن المشركين كانوا مجتمعين في البيت الحرام.. وكان معهم المؤمنون أيضًا.. وكان معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وقد شاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الجمع الكبير من الناس (من الكافرين والمؤمنين).. فوقف فيهم ومُفاجِئًا لهم ثم بدأ يقرأ سورة من سور القرآن الكريم.. فقرأ عليهم سورة النجم كاملة: { وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إلى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى.. وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى* لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النَّجم: 1- 18].
- وقد أُخذ المشركون بروعة الآيات والكلمات.. وقد بُهروا بهذا الكلام الغريب العجيب.. الذي لا يقدر عليه بشر.. فلم يحركوا ساكنًا.. ونزلت الآيات كالصواعق على قلوبهم.. خرست الألسنة.. وتسمرت الأقدام.. وتعلقت العيون برسول الله صلى الله عليه وسلم.. وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يكمل قراءته بصوته العذب.. حتى إنه بدأ يقرأ آيات تُسفّه أصنامهم وآلهتهم المزعومة..
{ أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى * أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنْثَى * تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى * إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} [النَّجم: 19- 23].. ومع أن الآيات تهين آلهة قريش وتحقر من شأنها إلا أن المشركين لم ينبسوا بكلمة واحدة.. بل ظلوا يستمعون القرآن مبهورين انبهارًا كاملاً.. وأكمل رسول الله صلى الله عليه وسلم السورة بكاملها.. وحين وصل إلى آية السجدة: { أَزِفَتِ الآَزِفَةُ * لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللهِ كَاشِفَةٌ * أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ * وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ * فَاسْجُدُوا للهِ وَاعْبُدُوا} [النَّجم: 57- 62].
- ومع موضع السجدة في نهاية سورة النجم.. سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وسجد المؤمنون معه..
- لكن المفاجأة الكبرى أن المشركين أيضًا لم يستطيعوا أن يمنعوا أنفسهم من السجود لله رب العالمين.. سجدوا جميعًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وقد طارت قلوبهم وذهلت عقولهم.. ثم قاموا بعد السجود وقد أرعبتهم المفاجأة.. لقد لمس الإيمان قلوبهم لحظة.. ثم ما لبثوا أن نكسوا من جديد على رءوسهم متعجبين: ماذا فعلنا؟!
- { وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} [النمل: 14]..
- ثم اجتمع المشركون في مكة ممن لم يحضر المشهد في البيت الحرام.. وأخذوا في إلقاء اللوم والتأنيب على المشركين الذين سجدوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وأُسقط في يد المشركين.. ولم يدركوا ماذا يفعلون.. ثم غلب عليهم شيطانهم وأوحى إليهم أن يفتروا الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فما كان منهم إلا أن أشاعوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قرأ آيات معينة.. تعظم من شأن اللات والعزى.. فيما أطلقوا عليه كذبا “حديث الغرانيق”.. ولذلك لما جاءت آية السجود سجدوا تعظيمًا لآلهتهم.. لقد افتروا مثل هذه الفرية ليخرجوا بها من الإيمان الذي دخل قلوبهم رغمًا عن أنوفهم.. ما يهمنا فيما سبق هو أن هذا الأمر قد طار إلى الحبشة بصورة مختلفة عما كان قد وقع.. فلقد وصل إلى أسماع المسلمين في الحبشة أن مكة قد آمنت ودخل أهلها في الإسلام.. وحدثتهم مخيلتهم بأنه قد آمن حمزة وعمر رضي الله عنهما وظهر المسلمون بوضوح وصاروا أعزة.. ثم سجد المشركون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إيمانًا بما يقول.. وقد أصبحت مكة الآن مسلمة.. وهكذا ظن المسلمون في الحبشة.. وكان موقفهم: ما الفائدة إذن في البقاء فيها بعد إيمان مكة.. وحيال هذا الأمر قرروا أن يعودوا أدراجهم إلى مكة على إثر هذه الإشاعة غير الصحيحة.. لكنهم وجدوا حين عادوا أن صناديد الكفر مازالوا على عنادهم.. أراكم غدا إن شاء الله..
الصورة تأريخية للكوبري المؤقت في المطاف
التعليقات مغلقة.