في جهاد الصحابة… الحلقة السادسة والثلاثون.. طلحة بن عبيد الله.. (2)
في جهاد الصحابة… الحلقة السادسة والثلاثون.. طلحة بن عبيد الله.. (2)
بقلم/ مجدي سالم
سادسا.. في مواقفه وبطولاته.. في جميع المشاهد والغزوات كان طلحة رضي الله عنه في مقدِّمة الصفوف يبتغي وجه الله.. ويفتدي راية رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.. فبعد ما حدث من غيابه عن بدر.. يروي أبو هريرة قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ” لقد رأيتني يوم أحد.. وما قربي أحد غير جبريل عن يميني.. وطلحة عن يساري “..
1-6 كان سيدنا طلحة رضي الله عنه في مقدمة الصفوف في غزوة أحدٍ.. التي شهدت كل جبروت قريشٍ.. وكل بأسها.. حيث جاءت تثأر ليوم بدر وتؤمِّن مصيرها.. وتريد إلحاق هزيمةٍ بالمسلمين.. ودارت حرب طاحنة سرعان ما غطّت الأرض بحصادها الأليم.. وأبصر طلحة جانب المعركة التي يقف فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. فألفاه قد صار هدفًا لقوى الشرك والوثنية.. فسارع نحو الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.. وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من بعيد يسيل من وجنته الدم.. و ويتحامل على نفسه.. فجنَّ جنونه.. وقطع طريق الهول في قفزة أو قفزتين.. وأمام الرسول وجد سيوف المشركين تلهث نحوه.. وتحيط به تريد أن تناله بسوء.. فأخذ يصدُّ المشركين عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. ويتلقى الضربات هو بنفسه حتى أصيب في ذراعه وقطعت أصبعه وهو يدافع عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. حتى كان سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول عن يوم أحد: ذاك يوم طلحة بين عبيد الله.. لكثرة ما بذله.. حتى وجدوا في جسده بضعًا وسبعين طعنة أو رمية..
2-6 قال ابن أبي خالد عن قيس قال : رأيت يد طلحة التي وقى بها النبي – صلى الله عليه وسلم – يوم أحد شلاء.. أخرجه البخاري . وأخرج النسائي عن جابر قال : لما كان يوم أحد.. وولى الناس.. كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في ناحية في اثني عشر رجلا.. منهم طلحة.. فأدركهم المشركون.. فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – : ” من للقوم ؟ قال طلحة : أنا.. قال : كما أنت . فقال رجل : أنا . قال : أنت.. فقاتل حتى قتل.. ثم التفت فإذا المشركون.. فقال : من لهم ؟ قال طلحة : أنا . قال : كما أنت.. فقال.. رجل من الأنصار : أنا.. قال : أنت . فقاتل حتى قتل.. فلم يزل كذلك حتى بقي مع نبي الله طلحة.. فقال : من للقوم ؟ قال طلحة : أنا.. فقاتل طلحة.. قتال الأحد عشر.. حتى قطعت أصابعه.. فقال : حس.. فقال.. رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : لو قلت : باسم اللهم لرفعتك الملائكة.. والناس ينظرون ” . ثم رد الله المشركين..
3-6 مواقف سيدنا طلحة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. فقد تولى أبو بكر الصديق رضي الله عنه الخلافة بعد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. وسار على نهجه وهديه.. وكان سيدنا طلحة رضي الله عنه في مقدمة معاوني أبي بكر الصديق رضي الله عنه..
- وكان كذلك مع سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه.. وكان مشهورًا عنه البذل والعطاء.. ويصف سيدنا جابر بن عبد الله رضي الله عنه جود طلحة فيقول: “ما رأيت أحدًا أعطى لجزيل مالٍ من غير مسألة.. من طلحة بن عبيد الله” وكان أكثر الناس برًّا بأهله وبأقربائه.. فكان يعولهم جميعًا -على كثرتهم- وقد قيل عنه في ذلك: ” كان لا يدع أحدًا من بني تيم عائلًا إلا كفاه مؤنته.. ومؤنة عياله.. وكان يزوج أيامهم.. ويخدم عائلهم.. ويقضي دين غارمهم”.
- ولا عجب في ذلك كله فقد وصفه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بـ”طلحة الخير”.. و”طلحة الفياض”
- عاش طلحة رضي الله عنه إلى زمن خلافة سيدنا علي بن أبي طالب.. ولما حدث ذلك الخلاف بين الصحابة حول أيهما أولى: استقرار الأمور وبيعة أمير المؤمنين رضي الله عنه.. أم القصاص لسيدنا عثمان رضي الله عنه.. وكان طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه مع الرأي الثاني.. الذي كان يميل إلى تقديم القصاص.. ولكن ورغم ذلك جاء سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه.. وناشد طلحة رضي الله عنه أن يرجع عن قتاله.. وألَّا يؤذيه بذلك.. فرجع سيدنا طلحة رضي الله عنه.. وقرَّرَ أن ينسحب عن المعركة.. وتركها بالفعل..
سابعا.. في إستشهاده.. لحق طلحة سهمٌ غادرٌ.. ممن يريدون إشعال الفتن.. ويضرهم أن يتَّحدَ صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. فكان استشهاده ذلك اليوم ليلحق بحبيبه.. رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه الأبرار.. وحين كان عليٌّ رضي الله عنه يستعرض شهداء المعركة.. راح يصلي عليهم جميعًا.. الذين كانوا معه.. والذين كانوا ضدَّه.. ولما فرغ من دفن طلحة رضي الله عنه.. والزبير رضي الله عنه.. وقف يودعهما بكلمات جليلة.. اختتمها قائلًا: “إني لأرجو أن أكون أنا.. وطلحة والزبير وعثمان من الذين قال الله فيهم: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ﴾ [الحجر: 47].. ثم ضمَّ قبريهما بنظراته الحانية الصافية وقال: “سمعت أذناي هاتان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ جَارَايَ فِي الجَنَّةِ». فرضي الله عنهم أجمعين…. أراكم غدا إن شاء الله..
التعليقات مغلقة.