في جهاد الصحابة.. الحلقة/ 455 .. ” خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي..”سيف الله”-21 بقلم / مجدي سـالم
في جهاد الصحابة.. الحلقة/ 455 خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي..”سيف الله”-21
بقلم / مجدي سـالم
مازلنا مع “قصة الإسلام”.. وجهاد بن الوليد في خلافة أبي بكر الصديق.. والمرحلة التي أعقبت خروج خالد بن الوليد ومعة كبار الصحابة من العراق إلى الشام.. نكمل..
عندما وصلت رسالة شهربراز إلى المثنى رضي الله عنه.. ردّ عليه برسالة قال فيها:
“من المثنى بن حارثة إلى شهر براز كسرى فارس.. الرأي عندي أنك إما باغٍ وأشد الناس عقابًا عند الله البغاة.. وإما كاذب (في قوله أنه أرسل رعاة الدواجن والخنازير) وشر الناس كذبًا عند الله وعند الناس الملوك.. والرأي عندي أنه إن كانت تلك الحقيقة فإنما اضْطُرِرْتم إليه (أي: من كثرة الهزائم اضطررتم إلى أن يكون جيشكم من هؤلاء).. فالحمد لله الذي ردَّ كيدكم إلى رعاة الخنازير والدجاج”. فلما تلقى شهر براز الرسالة حدث عكس ما كان يريد.. حيث انهزم الفرس نفسيًّا.. وبدءوا يقولون لشهر براز: جرّأْت علينا عَدُوَّنا.. إذا كتبت بعد ذلك فاسْتَشِرْ!!
موقعة بابل ونتائجها:
قليل ما نعرف عن هذه المعركة.. ولم نجد بدا من الإستطراد في نقل هذه التفاصيل.. فقد بدأ الجيش الفارسي يتحرك من المدائن في اتجاه سيدنا المثنى بن حارثة.. وقد استفاد المثنى بن حارثة من فترة وجود سيدنا خالد بن الوليد وتعلَّم منه كثيرًا.. فلم ينتظر في الحيرة حتى يأتيه جيش (هرمز جاذويه).. ولكنه أسرع ليقابله في “بابل”.. وهي منطقة قريبة جدًّا من المدائن.. وكان تحرّك سيدنا المثنى إلى بابل له مغزى آخر.. فقد كانت هذه المنطقة تُسمى بانِقيا وباروسما.. وكانت قد صالحت المسلمين على دفع مليوني درهم في كل سنة.. على أن يوفر المسلمون لهم الحماية ممن يعتدي عليهم سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين.. فكان لا بُدَّ للمثنى بن حارثة أن يقاتل في هذا المكان حتى يحمي هذه المنطقة التي تدفع الجزية للمسلمين.. وقد وصل المثنى بن حارثة بجيشه إلى هذه المنطقة قبل أن يصلها هرمز جاذويه.. وانتظر الجيش الفارسي حتى جاء وفي مقدمته الفيل..
ونستطيع أن نقول: إن الحرب في هذه المعركة كانت سجالاً.. فقد كان الجيشان متقاربين في القوة؛ تسعة آلاف من المسلمين وعشرة آلاف من الفرس.. ومع ذلك كان الجيش الفارسي -في البداية- له بعض الغلبة على الجيش المسلم بسبب وجود الفيل الذي كان يتقدم داخل صفوف المسلمين؛ فيحدث نوعًا من الارتباك.. ولا أحد يستطيع أن يقف أمامه أو يتعامل معه.. وعندما رأى المثنى بن حارثة ذلك انتدب من المسلمين فرقة للتطوع لقتل هذا الفيل.. وخرجت معه فرقة من عظماء المسلمين وتقدّموا ناحية الفيل.. ومن خلف ظهره قطعوا الأحزمة التي يجلس عليها من يقود الفيل.. فوقع قائد الفيل وقُتِل.. وكان المثنى رضي الله عنه قد سأل عن مقتل الفيل فقالوا: يُقْتَلُ من خرطومه. فقتلوه.. وبعد مقتل الفيل بدأت الجيوش الفارسية تتقهقر وتُهزَم.. وانتصر المسلمون في موقعة بابل التي كانت في ربيع الأول سنة 13هـ.. وذلك بعد أقل من 25 يومًا من غياب خالد بن الوليد رضي الله عنه.. فكان ذلك اطمئنانًا لنفوس الجند أن النصر يأتي من عند الله تعالى.. وليس من عند أشخاص بعينهم.. ومتى رضي الله تعالى عن فرقة.. فسوف يتم لها النصر.. حتى وإن غاب عنها خالد بن الوليد رضي الله عنه..
وقد استفاد المثنى رضي الله عنه من خالد بن الوليد كثيرًا.. فأرسل في إثر الجيش المنهزم -بعدما فرَّ منهم الكثير- بعض الفرق التي تطارد الفارِّين.. ووصلت هذه الفرق حتى مشارف المدائن؛ وذلك يحول بين تجمع الجيش وهجومه مرة أخرى على المسلمين.. فالمسافة بين بابل والمدائن تقرب من 72 كم.. ومن المدائن إلى الحيرة حوالي 150 كم.. فتكون بابل أقرب إلى المدائن من الحيرة..
الفوضى في فارس:
حفل الوضع في فارس في هذه الفترة بالفتن العظيمة والقلاقل؛ فقد قُتِلَ (شهر براز) ولم يمكث على كرسي الحكم إلا أربعين يومًا فقط.. حيث قتله الحرس الخاص به.. وتحيَّر الفرس في اختيار كسرى جديد.. فلا بُدَّ أن يكون الحاكم -الـ(كسرى)- من العائلة المالكة (آل ساسان).. حتى وإن كان صغيرًا.. وإن لم يوجد فامرأة..
وقد تولَّى الحكم بشكل مؤقت بعد شهر براز امرأة تُسمَّى (آذرمدخت).. وكانت ابنة لأحد الأكاسرة السابقين.. وقد تولَّت الحكم لفترة قصيرة.. ثم عثروا على رجل يُسمَّى (سابور).. وكان ابنًا لأحد الأكاسرة السابقين.. ولكنه من جارية فتولَّى الحكم بعد هذه المرأة.. وكانت الأمهات يخبئن أبناءهنَّ لكي لا يكونوا من الأكاسرة؛ وذلك لكثرة الفتن.. فقد رأيْنَ قتل أكثر من ثلاثة من الأكاسرة في فترة قصيرة.. وعندما عثروا على هذا الشاب تم تعيينه على رأس البلاط الفارسي فصار كسرى.. ولكن لصغر سنه تم تعيين أحد الولاة عليه حتى يستوعب أمور الحكم جيدًا.. وطلب سابور من وليه أن يزوجه من آذرمدخت.. ولكنها قالت: كيف أتزوج من ابن جارية.. حتى وإن كان كسرى فارس؟! ولما أصر الولي وسابور على رأيهما دبَّرت لهما مكيدة وقتلتهما وتولَّت هي الحكم.. .. أراكم غدا إن شاء الله..
في جهاد الصحابة الحلقة / 456 خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي..”سيف الله”-22 بقلم / مجدي سـالم
مازلنا مع “قصة الإسلام”.. وجهاد بن الوليد في خلافة أبي بكر الصديق.. والفوضى في فارس.. نكمل..
كان الوالي الذي قُتِل يُسمَّى (فخَّاذ)؛ فلما علم ابنه بالأمر وكان اسمه (رستم).. وقد كان في خراسان وهي منطقة بعيدة عن المدائن.. انطلق بجيشه نحو المدائن وأحدث انقلابًا عظيمًا؛ حيث قتل آذرمدخت وحرسها وكل جيشها.. ولما لم يكن من حقِّه أن يتولَّى الحكم؛ لأنه ليس من العائلة المالكة فقد ساعد على تولِّي بوران بنت كسرى الحكم.. وكانت امرأةً ذات حكمة.. ويرجعون إليها في الأمور الصعبة.. فتولَّت الحكم وقالت لرستم: أنت على رأس الجيش من الآن..
وكانت المخابرات الإسلامية تنقل هذه الأخبار بدقة إلى المثنى بن حارثة.. فقد علم بمقتل الأكاسرة واحدًا بعد الآخر.. وعلم أيضًا بتولّي بوران بنت كسرى الحكم.. وأنها ولَّت رستم -القائد الفارسي المعروف جيدًا- قيادة الجيش الفارسي.. وقد علم المثنى أن قوة المسلمين الموجودة معه لن تستطيع أن تقف أمام قوة الفرس.. وجيوشهم الجرارة بعد أن تولَّى رستم قيادة الجيش.. كانت حدود دولة فارس في تلك الآونة تمتد حتى الصين.. وكانت المدائن العاصمة.. وكانت الصين تدفع الجزية للفرس اتقاءً لشرهم..
المثنَى يطلب المدد من الصديق قبل وفاته:
قرر المثنى بن حارثة أن يترك العراق ويذهب هو بنفسه إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه ليُطلِعه على الموقف؛ حتى يمدَّه ببعض المدد.. ويعرض عليه أيضًا أن يستعين بمن قد ارتدوا ورجعوا إلى الإسلام.. وكانوا -إلى هذا الوقت- لم يشاركوا مع الجيوش الإسلامية بأمر أبي بكر رضي الله عنه.. وبالفعل ترك المثنى جيشه بعد أن عيَّن عليه بشير بن الخصاصية.. وكان أحد صحابة النبي صلى الله عليه وسلم.. وكان خالد بن الوليد رضي الله عنه يريد أن يأخذه معه إلى الشام.. ولكنَّ المثنَّى رضي الله عنه أَصَرَّ على أن يُبْقِيَ له خالد رضي الله عنه بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.. وكان هذا الرجل ممن بقوا معه..
وانظر المثل العظيم الذي ضربه أبو بكر الصديق للتاريخ.. فقد اتجه المثنى بن حارثة رضي الله عنه إلى المدينة المنورة لمقابلة أبي بكر الصديق رضي الله عنه.. وعندما وصل المثنى رضي الله عنه إلى المدينة وجد أبا بكر رضي الله عنه في مرض موته.. وكان في غيبوبة تامة.. ومكث المثنى فترة حتى صحا أبو بكر صحوة قابله فيها.. وعرض عليه موقف جيشه وما يريده.. فأرسل أبو بكر إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال: عَلَيَّ بعمر. ثم قال له: اسمع يا عمر ما أقول لك ثم اعمل به.. إني لأرجو أن أموت من يومي هذا (أي: إني أتوقع الموت في هذا اليوم.. وكان يوم 21 من جمادى الآخرة سنة 13هـ في صباح هذا اليوم).. فإن أنا مِتُّ فلا تُمسِينَّ حتى تندب الناس مع المثنى.. وإن تأخرت إلى الليل فلا تُصبِحَنَّ حتى تندب الناس مع المثنى.. ولا تَشغلنَّكم مصيبة -وإن عَظُمَتْ- عن أمر دينكم ووصية ربكم.. وقد رأيتَني مُتَوفَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم وما صنعتُ ولم يُصَبِ الخلق بمثله.. وبالله لو أنِّي أَنِي (أي أتباطأ) عن أمر الله وأمر رسوله.. لخذلنا ولعاقبنا فاضطرمت المدينة نارًا.. وإن فتح الله على أمراء الشام فاردد أصحاب خالد بن الوليد إلى العراق.. فهم أهله وولاة أمره وحدّه.. وأهل الضراوة بهم والجرأة عليهم..
فكانت هذه هي وصية أبي بكر رضي الله عنه في اللحظات الأخيرة قبل موته.. ونلاحظ فيها حرصه الشديد على استمرارية الجهاد في سبيل الله.. مهما عظمت المصائب وكثرت الخطوب.. ونلحظ أيضًا في الوصية الأخيرة شيئًا مهمًّا في قول الصديق رضي الله عنه: “وإن فتح الله على أمراء الشام.. فاردد أصحاب خالد إلى العراق”. فلم يقل: فاردد خالدًا إلى العراق؛ لأنه يعلم أن الأمور السياسية تحتاج إلى توافق بين القائد العام والجند الذين تحت إمرته.. وكان أبو بكر رضي الله عنه يعلم عدم وجود هذا التوافق بين عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد رضي الله عنهما.. وسنأتي على ذكر هذا الجانب من ترجمة خالد بن الوليد..
وكانت هذه نهاية هذه الفترة من تاريخ الأمة.. حيث تُوُفِّيَ أبو بكر الصديق رضي الله عنه في هذه الليلة..
نكمل ما كان في شأن المثنى بن الحارثة.. بعد أن تولَّى عمر بن الخطاب رضي الله عنه إمارة المسلمين بعد موت أبي بكر رضي الله عنه -وقد مات بين المغرب والعشاء- ذهب فدفنه بعد العشاء بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم.. ثم نادى في منتصف الليل: “الصلاةُ جامعة”. فَجَمَعَ أهلَ المدينة وندب الناس للخروج مع “المثنى”.. ومن العجيب أن أحدًا لم يستجب لنداء عمر بن الخطاب رضي الله عنه.. وكان هذا شيئًا عجيبًا وغريبًا على أهل المدينة ألا يستجيبوا لنداء الجهاد في سبيل الله.. ولم يكن عمر بن الخطاب رضي الله عنه متوقعًا لهذا الأمر على الإطلاق.. فانتظر حتى صلاة الفجر وأَمَّ الناس في صلاة الفجر.. وبايعه الناس على الإمارة.. وأصبح هو أمير المؤمنين بعد هذه المبايعة من الناس.. فندب الناس للقيام بفتح فارس.. ولم يستجب أحدٌ أيضًا.. وظل يدعو الناس بعد كل صلاة مدة ثلاثة أيَّام.. ولم يستجب لندائه أحد!!
وكان هذا شيئًا غريبًا وعجيبًا.. ألقاكم غدا إن شاء الله..
التعليقات مغلقة.