في جهاد الصحابة.. الحلقة\ 549.. عمرو بن العاص السهمي القرشي داهية العرب ” – 26 بقلم / مجدي سـالم
في جهاد الصحابة.. الحلقة\ 549.. عمرو بن العاص السهمي القرشي داهية العرب ” – 26 بقلم / مجدي سـالم
سابع وعشرون.. عمرو بن العاص في أحداث الفتنة
نكمل.. يكمل الدكتور السرجاني من “قصة الإسلام”..
- قام الأشعث بن قيس الكندي لمَّا اشتد القتال يخطب في قومه أهل الكوفة في المساء خطبته التي قادت للصلح؛ فيقول:
“قد رأيتم يا معشر المسلمين ما قد كان في يومكم هذا الماضي.. وما قد فني فيه من العرب.. فوالله لقد بلغت من السن ما شاء الله أن أبلغ فما رأيت مثل هذا اليوم قَطُّ.. ألا فليبلغ الشاهد الغائب.. أنَّا إنْ نحن تواقفنا غدًا إنه لفناء العرب وضيعة الحرمات.. أما والله ما أقول هذه المقالة جزعًا من الحتف.. ولكني رجل مسنّ أخاف على النساء والذراري غدًا إذا فنينا.. اللهم إنك تعلم أنى قد نظرت لقومي ولأهل ديني فلم آلُ.. وما توفيقي إلا بالله”.. - فلما وصل الخبر معاوية بخطبة الأشعث فقال: أصاب ورب الكعبة.. لئن نحن التقينا غدًا لتميلن الروم على ذرارينا ونسائنا.. ولتميلنَّ أهل فارس على نساء أهل العراق وذراريهم.. وإنما يبصر هذا ذوو الأحلام والنُّهى؛ اربطوا المصاحف على أطراف القَنَا.. قال صعصعة: فثار أهل الشام فنادوا في سواد الليل: يا أهل العراق.. مَن لذرارينا إن قتلتمونا.. ومن لذراريكم إن قتلناكم؟ اللهَ الله في البقية..
فأصبح أهل الشام وقد رفعوا المصاحف على رءوس الرماح وقلدوها الخيل.. والناس على الرايات قد اشتهوا ما دعوا إليه.. ورفع مصحف دمشق الأعظم تحمله عشرة رجال على رءوس الرماح.. ونادوا: يا أهل العراق.. كتاب الله بيننا وبينكم.. وأقبل أبو الأعور السلمي على برذون أبيض وقد وضع المصحف على رأسه ينادي: يا أهل العراق.. كتاب الله بيننا وبينكم.. - وذكروا أن أهل الشام جزعوا فقالوا: يا معاوية.. ما نرى أهل العراق أجابوا إلى ما دعوناهم إليه.. فأعدها جذعة.. فإنك قد غمرت بدعائك القوم وأطمعتهم فيك.. فدعا معاوية عبد الله بن عمرو بن العاص.. وأمره أن يكلم أهل العراق؛ فأقبل حتى إذا كان بين الصفين نادى: ( يا أهل العراق.. أنا عبد الله بن عمرو بن العاص.. إنها قد كانت بيننا وبينكم أمور للدين والدنيا.. فإن تكن للدين فقد والله أعذرنا وأعذرتم.. وإن تكن للدنيا فقد والله أسرفنا وأسرفتم.. وقد دعوناكم إلى أمرٍ لو دعوتمونا إليه لأجبناكم.. فإن يجمعنا وإياكم الرضا فذلك من الله؛ فاغتنموا هذه الفرجة) ..
- وجاء الفرج حين قال الأشعث لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب: أجب القوم إلى كتاب الله؛ فإنك أحق به منهم.. وقد أحب الناس البقاء وكرهوا القتال.. فقال عليٌّ رضى الله عنه: إن هذا أمر ينظر فيه..
لقد كان رفع المصاحف -في الحقيقة- عملاً رائعًا اشترك فيه العقلاء من الفريقين.. وتُوِّج بموافقة أمير المؤمنين علي رضى الله عنه؛ إذ قال: “نعم بيننا وبينكم كتاب الله.. أنا أولى به منكم.. - تم الاتفاق على التحكيم وبدأ كل فريق يختار من يخرج لهذ المهمة.. ولم يكن في جيش معاوية رضي الله عنه أي اختلاف على من يتولّى أمر التحكيم.. فاختاروا عمرو بن العاص رضي الله عنه.. والذي كان بمثابة الوزير الأول لمعاوية رضي الله عنه في كل هذه الأحداث.. وكان عمره رضي الله عنه في هذا التوقيت سبعة وثمانين سنة.. فكان شيخًا كبيرًا من شيوخ صحابة النبي صلى الله عليه وسلم.. وهو رضي الله عنه.. إن كان قد اشتهر بشدة الذكاء.. والحيلة فقد اشتهر أيضًا بالورع والتقوى.. وكان رضي الله عنه كثير المحاسبة لنفسه.. وهذا الأمر يخفيه الكثير من الكتاب المغرضين.. ويظهرون عمرو بن العاص رضي الله عنه في صورة صاحب المكر.. والخداع.. والدهاء…
أما جيش علي بن أبي طالب رضي الله عنه فلما عُرض عليهم أن يخرج للتحكيم عبد الله بن عباس رفض القوم.. وطالبوا بأن يخرج عنهم أبو موسى الأشعري.. وذلك لأنه رفض الدخول في القتال من بداية الأمر مع يقينه أن عليًا رضي الله عنه على الاجتهاد.. وكان رضي الله عنه قاضيًا للكوفة.. واعتزل القتال.. ولم يكرهه علي بن أبي طالب رضي الله عنه على الخروج معه.. وكان أبو موسي رضي الله عنه رجلًا تقيًا ورعًا فقيهًا عالمًا.. وقد أرسله الرسول صلى الله عليه وسلم إلى اليمن مع معاذ بن جبل رضي الله عنهم جميعًا لتعليم الناس أمور الإسلام.. وكان مقربًا عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه.. وولّاه أمر البصرة.. وكان هذا أمرًا عظيمًا.. ذلك لأن البصرة كانت تدير عمليات الفتوح في جنوب ووسط فارس.. وظل رضي الله عنه فيها فترة كبيرة.. وكان رضي الله عنه قائدًا لمعركة (تستر) الشهيرة التي حوصرت سنة ونصف.. فهو رجل فقيه عالم قاض محنّك.. غير ما أُشيع في الكتب من سذاجة.. وبساطة.. وسوء رأي نُسبَ إليه ليلصقوا به ما زعموه من كذب وزور في قضية التحكيم.. وهو من هذا كله براء.. نكمل غدا إن شاء الله..
الصورة.. المسجد الأموي – دمشق – الشام
التعليقات مغلقة.