في جهاد الصحابة.. الحلقة / 634 “عبدالله بن عباس بن عبد المطلب”.. “الحبر الفقيه.. ثاني العبدليين” -13 بقلم / مجدي سـالم
في جهاد الصحابة.. الحلقة / 634 “عبدالله بن عباس بن عبد المطلب”.. “الحبر الفقيه.. ثاني العبدليين” -13
بقلم / مجدي سـالم
تاسع عشر.. في موقفف ابن عباس في حكومة معاوية ..
ظل الصراع محتدما.. والشد والجذب بين الهاشميين وبني أمية.. حتى بعد استشهاد الإمام علي بن أبي طالب بيد الفئة التي غدرت به.. حتى استقر الأمر لبني أمية ولمعاوية بن أبي سفيان بتنازل الحسن بن علي درءا للفتنة وحقنا لدماء المسلمين.. وكان الأمر عصيبا مع الدولة الأموية للعديد ممن ناصروا علي وأيدوه..
وإذا أردنا أن نعرف موقف ابن عباس من الحكم والحاكم الأموي الجديد .. يجب أن لا ننسى النزاع والتخاصم القائم بين بني أمية وبني هاشم .. وما بقي من موروث الإنتماء لدى الأبناء .. وهو الّذي كان يتنامى يوماً بعد يوم .. بالرغم من وجود ما يدعو إلى تناسي الترات وشدّ الأواصر المنافية .. كالمصاهرات والمصالح التجارية. لكن كلّ ذلك لم يُزل ما في النفوس من كامن الأحقاد عند تذكّر الآباء والأجداد .. فقد روي : « أنّ عقيل بن أبي طالب لمّا تزوج فاطمة بنت عتبة برغبة وبذل منها .. فكانت تبرمه بخلافها وتقول له يا بني هاشم لا يحبكم قلبي أبداً .. أين أبي؟ أين عمي؟ أين أخي؟ كأنّ أعناقهم أباريق فضة .. ترد آنافهم الماء قبل شفاههم. قال : إذا دخلتِ جهنم فخذي على شمالك .. فشدّت ثيابها وأتت عثمان فشكت عليه .. فبعث عبد الله بن عباس ومعاوية حكَمين .. فقال ابن عباس : لأفرّق بينهما .. وقال معاوية : ما كنت لأفرّق بين شيخين من قريش .. فلمّا أتياهما وجداهما قد أغلقا بابهما واصطلحا »..
كما لم تجدِ القرابات النسبية سبيلاً إلى إزالة الكوامن في الصدور .. فقد ذكر البلاذري في الأنساب : « أنّ صفية بنت حزن الهلالية هي أم أبي سفيان بن حرب وهي عمة لبابة بنت الحارث أم عبد الله بن عباس » ..
كما روى أيضاً عن ابن عباس قال : « دخلت على أبي سفيان بن حرب وهو يتغدى .. فذكرت له حاجتي ثمّ قلت : فما منعك من أن تدعوني إلى غدائك؟ فقال إّنما وضع الطعام ليؤكل .. فإن كانت بك إليه حاجة فكل ».!
والأمر ليس بحاجة إلى تعليق.. (رواية للتحقيق)..
ولو استعرضنا صنيع بني هاشم على بني أمية وأياديهم البيضاء لطال بنا الحديث .. وحسب القارئ أن يعلم أنّ صنائع المعروف الّتي أسداها الهاشميون بدءاً من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في فتح مكة .. ومروراً بموقف العباس في إنجاء أبي سفيان بن حرب من موت محقق .. فلولاه لبطشت به يومئذ سيوف عديدة من كلّ جانب .. فقد أتى به ابن عباس.. مردفه معه على بغلة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم.. فاستأمن له.. فمع هذه الأيادي البيضاء والقرابات من الأمهات كيف سيكون حال ابن عباس مع الحاكم الأموي وماذا ينتظره من معارض الأمس وقد دان له الأمر اليوم؟ وهاهو اعتلى عرش الحكم .. ليجعل منه متوارثا .. وقد اتخذ منه أداة يعاقب عليها بني هاشم ومن يواليهم..
فلا شك أنّ ابن عباس كان متحفظا ومترفعا عن المناصب في ظل ذلك الحكم .. ولذا فلزاماً عليّ الرواة تنبيه القارئ.. أنّه لا يمكن لنا دراسة مواقف ابن عباس في العهد الأموي بشكل علمي وموضوعي بمعزل عن استذكار تاريخه في حكم علي بن أبي طالب .. وتبيّن آثاره وأفكاره .. لنرى مدى تأثير إستاذه ومعلمه وإمامه وابن عمه الإمام علي كرم الله وجهه.. الّذي تولى تربيته بعد ابن عمه الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم .. فأودعه عملياً سيرته المثلى في مقارعة الظالمين .. وأنهله من صفو مبادئه ـ وكلّها صفو ـ حتى كاد أن يكون نسخة مصغرة منه .. حيث بدت مواقفهما متشابهة في أكثر من ميدان وفي غالب الأحيان.. كما تبين لنا ذلك في تطابق مناظرات علي وابن العباس للخوارج..
وبشيء من الدقة وبعيداً عن العاطفة .. فإنا نستطيع أن نرى ابن عباس في الفترة الّتي عاشها مع الإمام من قبل توليه الحكم ومن بعده أيام جهاده الخوارج.. فقد كان ساعده الأيمن ومستشاره الأمين ..
حتى أنّ معاوية أشدّ الناس عداوة لهما كان يراه رأس الناس بعد الإمام .. كما تبين من كتابه إليه في ذلك في حرب صفين .. وفيه : « فإنك راس الناس بعد عليّ » وإن لم يخدع ابن عباس بتلك المداهنة.. ولم يلحظ أي تغيير في رأيه تجاه مبادئه بعد وفاة علي .. فهو على أنماط سلوكه في حياته .. بل ازدادت مواقفه الجهادية في الدفاع عن الحق ومقارعة أعدائه ضراوة وقساوة .. ولم يزل صامداً في خط المواجهة الساخن كجندي محارب .. ضد معاوية وأشياعه .. وحتى مع الخوارج والنواصب..
وليس هناك من شك في جهد ابن عباس وفي رصيده العالي في رواية الحديث.. كما أنه لا شك في حملة الحديث إلى الصحابة والتابعين وجميع معاصريه وكذا جرأة جرأته في الحق..
.. أراكم غدا إن شاء الله..
التعليقات مغلقة.