في جهاد الصحابة.. الحلقة 825.. الهجرة النبوية في فكر الشيخ محمد الغزالي.. -1… بقلم مجدى سالم
في جهاد الصحابة.. الحلقة/ 825.. الهجرة النبوية في فكر الشيخ محمد الغزالي.. -1…بقلم مجدى سالم
إخترت لكم..
عن رابطة علماء أهل السنة.. منقول..
لا يماري منصف يملك أدوات الفكر والعلم ووسائل الإدراك والتمييز أن الشيخ محمد الغزالي ـ الذي تمر بنا ذكرى وفاته 9/3/1996م ـ أحد أعلام الإصلاح في عصرنا.. فقد نجح في تكوين مدرسة فكرية تخرج فيها العديد من أعلام العصر.. على رأسهم: الدكتور يوسف القرضاوي.. والدكتور محمد عمارة.. والدكتور أحمد العسال.. والدكتور عبد الحليم عويس.. والمرحوم الدكتور محمود حماية.. والدكتور محمد سليم العوا.. والدكتور عماد الدين خليل.. وغيرهم كثير.
لقد كرس حياته كلها في خدمة الدعوة الإسلامية.. والجهاد من أجل إعادة الهوية العربية والإسلامية لكثير من شعوب العالم.. على رأسها مصر والجزائر.. قضى ما يزيد على شطر حياته الأول في محاربة الاستبداد السياسي.. وبيان مكائد الاستعمار.. وصد طعنات المستشرقين وسماسرتهم في القرآن والسنة.. وتوضيح معالم الإسلام.. وإرساء قواعد الدعوة إلى الله تعالى.. بينما كان شطر حياته الثاني مركَّزًا في محاربة الفهم المغلوط للإسلام.. والإنكار الشديد على العقول السقيمة والفكر السطحي الذي يصطلي بشُواظٍ من نارٍ أُفْعم بها قلب الشيخ وقلمه ولسانه.
وقد تمتع الشيخ ـ رحمه الله ـ بثقافة موسوعية أنتجت لنا العديد من الكتب في شتى نواحي الفكر والمعرفة.. فنجد له تراثًا في العقيدة والتفسير.. والأخلاق والتصوف.. والفكر والفلسفة.. والأدب والدعوة.. والإصلاح والتغيير.. وغيرها. . ومن أبرز المجالات التي أبدع فيها الشيخ الغزالي مجال السيرة النبوية التي له فيها صولات وجولات مع الأحداث.. وتعليقات على كثير من المواقف والغزوات يشعر القارئ معها بفكر جديد وفهم فريد لأحداث ووقائع السيرة العطرة.
ومن القضايا المهمة التي تحدث عنها الشيخ في السيرة في غير موضع من كتبه قضية الهجرة النبوية التي تمر علينا ذكراها في هذه الأيام.. وقد تمركزت أفكار الشيخ حولها فيما يلي:
أولاً: الهجرة حدث أكبر من أن تعلق عليه سورة واحدة:
وهذه واحدة من مناقب الشيخ في فهمه للهجرة النبوية؛ ذلك أننا أَلِفْنا أن يتنزل القرآن تعليقًا على ما يكون من أحداث.. فيوجه المسلمين التوجيه الذي يفتقرون إليه؛ فإن كان نصرًا بين أسبابه وكسر الغرور الذي قد يصاحب المنتصرين.. وإن كانت هزيمة بين أسبابها ومسح التراب الذي عفر جباه المنهزمين.
لقد نزلت سورة الأنفال في أعقاب غزوة بدر.. ونزلت سورة الأحزاب في أعقاب الخندق.. ونزل النصف الأخير من سورة آل عمران في أعقاب أحد.. فهل نزلت في أعقاب الهجرة سورة لا سيما بعد نجاح رحلتها كما حدث في أعقاب الغزوات؟؟.
ويجيب الشيخ على هذا التساؤل قائلاً: “لم يقع هذا.. ولكن وقع ما هو أخطر وأهم.. كان الله ـ سبحانه وتعالى ـ حكم بأن قصة الهجرة أكبر من أن تعلق عليها سورة واحدة.. وأن تمر مناسبتها بهذا التعقيب وينتهي الأمر.. فحكم ـ جل شأنه ـ بأن تكون ذكرى الهجرة قصة تؤخذ العبرة منها على امتداد الأيام.. وتُذكر في أمور كثيرة وفي مناسبات مختلفة”(1).
ومن ناحية أخرى يرى الشيخ أنها لم تُذكر في سورة واحدة مثل المعارك؛ لأن “هذه المعارك استغرقت أيامًا قليلة أما الهجرة فشأن آخر.. لقد ظلت أفواج المهاجرين متصلة سنين عددًا.. وتطلَّب التعليق عليها مواضع عديدة”(2).. ومن ثم ذُكرت الهجرة في سور: البقرة(3) وآل عمران(4) والنساء(5) والأنفال(6) والتوبة(7) والنحل(8) والحج(9) والممتحنة(10) والتغابن(11) والحشر(12)… وكان التعليق في كل سورة إبرازًا لمعنًى مقصود(13)..
ثانيًا: وزن الإيمان في الهجرة:
والإيمان في فكر الشيخ له وزن لا يستهان به عموما.. وفي الهجرة خصوصا.. فليست الهجرة انتقال موظف من بلد قريب إلى بلد ناءٍ.. ولا ارتحال طالب قوت من أرض مجدبة إلى أرض مخصبة.. إنها إكراه رجل آمن في سربه.. ممتد الجذور في مكانه على إهدار مصالحه وتضحيته بأمواله والنجاة بشخصه.. وإشعاره بأنه مستباح منهوب قد يُسلَب أو يَهلك في بداية الطريق أو نهايتها.. وبأنه يسير نحو مستقبل مبهم لا يدري ما يتمخض عنه من قلاقل وأحزان.. ولو كان الأمر مغامرة شخص بنفسه لقيل: مغامر طياش.. فكيف وهو ينطلق في طول البلاد وعرضها حاملاً أهله وولده؟! وكيف وهو بذلك رضيُّ الضمير وضاء الوجه(14)…
ما السر وراء تحمله ذلك كله؟ وليس الأمر تحملاً وحسب.. إنما تحمُّلٌ يصاحبه فرحة وسرور.. وصبر يحوطه رضًى وحبور.. إنه الإيمان الذي يزن الجبال ولا يطيش.. هذه الصعاب لا يطيقها إلا مؤمن تربى على تعاليم النبوة.. وقبَس من أنوار الوحي.. وتضلَّع من هدْي الإسلام.
أما الهياب الخوَّار القَلِق فما يستطيع أن يفارق أهله ووطنه.. فضلاً عن أن يكون بذلك مطمئن النفس رضيَّ الضمير..
.. نكمل غدا إن شاء الله..
التعليقات مغلقة.