في جهاد الصحابة ” العباس بن عبد المطلب ” الحلقة الرابعة والخمسون…مجدى سالم
في جهاد الصحابة.. بقلم ..مجدي سـالم
الحلقة الرابعة والخمسون.. العباس بن عبد المطلب.. رضي الله عنه..
(2)
ثانيا.. في موقف العباس في بيعة العقبة الثانية.. فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يذكُر بالمدينة ليلة العقبة فيقول: “أيِّدتُ تلك الليلة بعمّي العبّاس.. وكان يأخذ على القومِ ويُعطيهم”..
- فعندما قدم مكة ..في موسم الحج ..وفد الأنصار من الخزرج.. ثلاثة وسبعون رجلا وسيدتان.. ليعطوا الله ورسوله بيعتهم.. وليتفقوا مع النبي عليه الصلاة والسلام على الهجرة الى المدينة.. أنهى الرسول الى عمه العباس نبأ هذا الوفد.. وهذه البيعة.. وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يثق بعمه في رأيه كله ..ولم يكن العباس قد أسلم بعد..
- ولما جاء موعد اللقاء الذي انعقد سرا وخفية.. خرج الرسول وعمه العباس الى حيث الأنصار ينتظرون ..
وأراد العباس ان يختبر جدية القوم ويتوثق للنبي منهم ..يروي لنا النبأ.. كما سمعه ورأه.. كعب بن مالك رضي الله عنه:- ” وجلسنا في الشعب ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم.. حتى جاءنا ومعه العباس بن عبد المطلب.. وتكلم العباس فقال: (يا معشر الخزرج.. ان محمدا منا حيث قد علمتم.. وقد منعناه من قومنا فهو في عز من قومه ومنعة في بلده.. وانه أبى الا النحياز إليكم واللحوق بكم.. فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه اليه.. ومانعوه ممن خالفه.. فأنتم وما تحملتم من ذلك.. وإن كنتم ترون أنكم مسلموه خاذلوه بعد خروجه اليكم فمن الآن فدعوه “.. - كان العباس يلقي بكلماته الحازمة هذه.. وعيناه تحدقان كعيني الصقر في وجوه الأنصار.. يتتبع وقع الكلام وردود فعله العاجلة ..ولم يكتف العباس بهذا.. فذكاؤه العظيم ذكاء عملي يتقصّى الحقيقة في مجالها المادي.. ويواجه كل أبعادها مواجهة الحاسب الخبير ..
- هناك استأنف حديثه مع الأنصار بسؤال ذكي ألقاه.. ذلك هو.. صفوا لي الحرب.. كيف تقاتلون عدوّكم
كان العباس بفطنته وتجربته مع قريش يدرك أن الحرب لا محالة قادمة بين الاسلام والشرك.. فقريش لن تتنازل عن دينها ومجدها وعنادها ..وما دام الإسلام حق فلن يتنازل للباطل عن حقوقه المشروعة.. فهل أصبح الأنصار.. أهل المدينة.. صامدون للحرب المؤكد وقوعها حين تقوم.. ؟؟ - وهل هم من الناحية الفنية.. أكفاء لقريش.. يجيدون فنّ الكرّ والفرّ والقتال.
- كان الأنصار الذين يصغون للعباس رجالا كالأطواد.. فلم يكد العباس يفرغ من حديثه.. لا سيما ذلك السؤال المثير الحافز حتى شرع الأنصار يتكلمون ..قال عبد الله بن عمرو بن حرام مجيبا على السؤال:
- ” نحن والله أهل الحرب.. غذينا بها.. ومرّنا عليها.. وورثناها عن آبائنا كابرا فكابر.. نرمي بالنبل حتى تفنى.. ثم نطاعن بالرماح حتى تنكسر .. ثم نمشي بالسيوف.. فنضارب بها حتى يموت الأعجل منا أو من عدونا ” ..
- وأجاب العباس متهللا.. “أنتم أصحاب حرب اذن.. فهل فيكم دروع.؟”
- قالوا.. نعم .. لدينا دروع شاملة..
هذا موقف العباس في بيعة العقبة..وسواء عليه أكان يومئذ اعتنق الاسلام سرا.. أم كان لا يزال يفكّر.. فان موقفه هذا يحدد مكانه بين قوى الظلام الغارب.. والشروق المقبل.. ويصوّر أبعاد رجولته ورسوخه..
ثالثا.. في إسلامه.. لم يعلن اسلامه الا عام فتح مكة.. مما جعل بعض المؤرخين يعدونه مع الذين تأخر اسلامه..بيد أن روايات أخرى من التاريخ تذكر أنه كان من المسلمين المبكّرين.. غير أنه كان يكتم اسلامه..
يقول أبو رافع خادم الرسول صلى الله عليه وسلم: - ” كنت غلاما للعباس بن عبد المطلب.. وكان الاسلام قد دخلنا أهل البيت.. فأسلم العباس.. وأسلمت أم الفضل.. وأسلمت.. وكان العباس يكتم اسلامه”.. هذه رواية أبو رافع يتحدث بها عن حال العباس واسلامه قبل غزوة بدر..
- فإن كان العباس مسلما يكتم إسلامه وقد خرج إلى بدر حمية.. فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أبى إلا أن يفتدي نفسه بعد أسره في بدر بماله.. بل دل العباس على تفاصيل ماله كأنه كان يعيش معه.. وليلتها سهر النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة ولم ينم.. فقالوا: ما يسهرك يا نبي الله؟ قال: “أسهر لأنين العباس”. فقام رجل من القوم فأرخى وثاقه.. ثم أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يفعل ذلك بالأسرى كلهم.. ففدى العباس نفسه وابني أخيه عقيل بن أبي طالب.. ونوفل بن الحارث.. وحليفه عتبة بن عمرو.. فكان أكثر الأُسارى يوم بدر فداءً.. لأنه كان رجلاً موسرًا.. فافتدى نفسه بمائة أوقية من ذهب
.. ألقاكم إن شاء الله..
التعليقات مغلقة.