في جهاد الصحابة..
بقلم الأستاذ مجدى سالم
في جهاد الصحابة..
الحلقة الخامسة.. مصعب بن عمير.. رضي الله عنه
أولا.. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما ذكر مصعب بن عمير قال..
- « ما رأيت بمكة أحدًا أحسن لمة ولا أرق حلة ولا أنعم نعمة من مصعب بن عمير»..
ثم انظر ما قاله سعد بن أبي وقاس عنه..
-” لقد رأيته جهد في الإسلام جهدًا شديدًا حتى لقد رأيت جلده يتحشّف.. أي يتطاير.. كما يتحشف جلد الحية عنها.. حتى إنا كنا لنعرضه على قتبنا فنحمله عنه مما به من الجهد”..
ومصعب بن عمير.. هو مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف القرشي.. وكُني بـ” أبي عبدالله “..
ولد في مكة المكرمة ونشأ فيها.. وهو معلم القرآن في المدينة المنورة.. وحامل لواء المسلمين في أحد.. وسفير الإسلام في المدينة المنورة.. وهو أحد السابقين إلى الإسلام والمثابرين لنشرالدعوة بين الناس..
ثانيا.. يعتبر مصعب بن عمير نموذجا من تربية الإسلام للمترفين الشباب.. للمنعمين من أبناء الطبقات الغنية المرفهة.. لأبناء القصور والمال والجاه.. للمعجبين بأشخاصهم.. المبالغين في تأنقهم.. الساعين وراء مظاهر الحياة كيف تغيرت.. ووقف بعد إسلامه قويًّا لا يضعف ولا يتكاسل ولا يتخاذل.. ولا تقهره نفسه وشهواته فيسقط في جحيم النعيم الخادع.. فقد ودع ماضيه بكل ما فيه من راحة ولذة وهناءة.. يوم دخل هذا الدين وبايع تلك البيعة.. وكان لا بد له من المرور في درب المحنة لكي يصقل إيمانه ويتعمق يقينه.. وكان مصعب مطمئنا راضيا رغم ما حوله من جبروت ومخاوف.. ورغم ما نزل به من البؤس والفقر والعذاب.. ورغم ما فقده من مظاهر النعم والراحة.. .. فقد تعرض لمحنة الفقر.. ومحنة فقد الوجاهة والمكانة عند أهله.. ومحنة الأهل والأقارب والعشيرة.. ومحنة الجوع والتعذيب.. ومحنة الغربة والابتعاد عن الوطن.. فخرج من كل تلك المحن منتصرا بدينه وإيمانه..
ثالثا.. أسلم ابن عمير سراً في دار الأرقم بن أبي الأرقم.. خوفاً من قومه وكانت أمه هي الخناس بنت مالك بن المضرب العامرية.. التي كانت تتمتع بقوة شخصية فذة فخشيها مصعب وقرّر أن يكتم إسلامه حتى يقضي الله أمراً.. فكان يختلف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سرًّا.. فبصر به عثمان بن طلحة يصلي.. فأخبر أمه وقومه.. وحين علمت ذلك فحبسته أملاً في رده عن دينه.. لكنّها عندما واجهت إصراراً كبيراً منه على الإسلام قرّرت إخراجه من بيتها وحرمانه من المال.. فلم يزل محبوسًا حتى خرج إلى أرض الحبشة في الهجرة الأولى..
رابعا.. وانظر إلى من كان قبل الإسلام قد اشتهر بجماله وتأنّقه وارتدائه أفضل الملابس وأغلاها.. وتعطُّره بأجمل العطور.. فكان من زينة شباب قريش.. ومن كان أعطر أهل مكة.. ويلبس الحضرمي من النعال وبلغ من شدة كلف أمه به أنه يبيت وقعب الحيس (الطعام).. عند رأسه فإذا استيقظ من نومه أكل.. . وقد أصبح بعد إسلامه المهاجر إلى الحبشة عندما يشتدّ الأذى على الصحابة.. ثم المهاجر إلى المدينة المنورة إثر البيعة الأولى.. وإذا بالفتى المدلل وقد أصبح سفير الإسلام.. يرسله الرسول عليه الصلاة والسلام إلى المدينة ليُعلّم سكانها القرآن الكريم وتعاليم الدين الإسلامي.. ومنها يعود إلى مكة المكرمة.. ثم يعود بعد ذلك الصلب العود إلى المدينة مع الأنصار.. حيث أسلم على يده سعد بن معاذ سيد قومه.. وأسيد بن حضير..
خامسا.. ومع كل ما أصابه من بلاء ومحنة ووهن في الجسم والقوة.. وجفاء من أقرب الناس إليه.. لم يقصر عن شيء مما بلغه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخير.. والفضل.. والجهاد في سبيل الله تعالى.. حتى أكرمه الله تعالى بالشهادة.. مطمئن أعمق الاطمئنان.. ثابت أقوى الثبات..
سادسا.. في غزوة أحد.. حمل مصعب بن عمير لواء المسلمين.. وتقدّم به أثناء الغزوة.. وأثناء المعركة هجم ابن خلف على الرسول صلى الله عليه وسلم ليقتله.. لكن مصعب بن عمير استقبل الضربة عن الرسول ليفديه.. وقاتل في أرض المعركة وهو يحمل لوائه حتى ضربه قميئة الليثي ليسقط شهيداً.. . استشهد مصعب في العام الـثالث من الهجرة عن عمر أربعين عاماً..
خاتمة.. بعد انتهاء غزوة أحد جاء الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه يتفقّدون أرض المعركة ويودّعون شهداءها.. فوجدوا مصعب بين عمير.. من كان أعطر شباب مكة.. بين الشهداء.. في ثوب لا يكاد يغطي جثمانه.. وعند جثمان مصعب سالت دموع غالية.. وفية غزيرة..
أراكم على خير..
التعليقات مغلقة.