في جهاد الصحابة..
بقلم/ مجدي سالم
الحلقة الثامنة.. خباب بن الأرت.. رضي الله عنه – ٣
أولا.. مضى خبّاب ينفق وقته وحياته في خدمة الدين الذي خفقت أعلامه.. فلم يكتف رضي الله عنه في أيام الدعوة الأولى بالعبادة والصلاة.. بل استثمر قدرته على التعليم.. فكان يغشى بيوت بعض اخوانه من المؤمنين الذين يكتمون اسلامهم خوفا من بطش قريش.. فيقرأ معهم القرآن ويعلمهم اياه.
ولقد نبغ في دراسة القرآن وهو يتنزل آية آية.. وسورة.. سورة.. حتى ان عبد الله بن مسعود.. ( وهو الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.. “من أراد أن يقرأ القرآن غصّا كما أنزل فليقراه بقراءة ابن أم عبد.. “) نقول.. حتى عبد الله بن مسعود كان يعتبر خبّابا مرجعا فيما يتصل بالقرآن حفظا ودراسة..
ثانيا.. وهو الذي كان يدرّس القرآن لـ فاطمة بنت الخطاب وزوجها سعيد بن زيد.. عندما فاجأهم عمر بن الخطاب متقلدا سيفه الذي خرج به ليصفي حسابه مع الاسلام ورسوله.. لكنه لم يكد يتلو القرآن المسطور في الصحيفة التي كان يعلم منها خبّاب.. حتى صاح صيحته المباركة.. ” دلوني على محمد” صلى الله عليه وسلم.. وسمع خبّاب كلمات عمر هذه.. فخرج من مخبئه الذي كان قد توارى فيه وصاح.. “يا عمر.. والله اني لأرجو أن يكون الله قد خصّك بدعوة نبيّه صلى الله عليه وسلم.. فاني سمعته بالأمس يقول.. اللهم أعز الاسلام بأحبّ الرجلين اليك.. أبي الحكم بن هشام.. وعمربن الخطاب .. وسأله عمر وأين أجد الرسول الآن يا خبّاب.. فقال خباب.. “عند الصفا.. في دار الأرقم بن أبي الأرقم”.. وطار عمر إلى هناك.. حيث أسلم..
ثالثا.. عاش خباب عمره كله حفيظا على ايمانه ويقينه.. وعندما فاض بيت مال المسلمين بالمال أيام عمر وعثمان.. رضي الله عنهما.. كان خبّاب صاحب راتب كبير.. بوصفه من المهاجرين السابقين الى الاسلام.. وقد أتاح هذا الدخل الوفير لخبّاب أن يبتني له دارا بالكوفة.. وكان يضع أمواله في مكان ما من الدار يعرفه أصحابه وروّاده.. وكل من وقعت عليه حاجة.. يذهب فيأخذ من المال حاجته.. ومع هذا فقد كان خبّاب لا يرقأ له جفن.. ولا تجف له دمعة كلما ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه الذين بذلوا حياهم لله.. ثم ظفروا بلقائه قبل أن تفتح الدنيا على المسلمين.. وتكثر في أيديهم الأموال..
اسمعوا خبابا وهو يتحدث االى عوّاده الذين ذهبوا يعودونه.. وهو رضي الله عنه في مرض موته.. قالوا له.. أبشر يا أبا عبد الله.. فانك ملاق إخوانك غدا.. فأجابهم وهو يبكي.. ” أما انه ليس بي جزع.. ولكنكم ذكّرتموني أقواما.. واخوانا.. مضوا بأجورهم كلها لم ينالوا من الدنيا شيئا.. وانّا بقينا بعدهم حتى نلنا من الدنيا ما لم نجد له موضعا الا التراب”.. . وأشار الى داره المتواضعة التي بناها.. ثم أشار مرة أخرى الى المكان الذي فيه أمواله- وقال.. ” والله ما شددت عليها من خيط.. ولا منعتها من سائل” ثم التفت الى كنفه الذي كان قد أعدّ له.. وكان يراه ترفا واسرافا وقال ودموعه تسيل.. ” أنظروا هذا كفني.. لكنّ حمزة عم الرسول صلى الله عليه وسلم لم يوجد له كفن – يوم استشهد – إلا بردة ملحاء اذا جعلت على رأسه قلصت عن قدميه.. واذا جعلت على قدميه قلصت عن رأسه “.. !!
رابعا.. ومات خبّاب في السنة السابعة والثلاثين للهجرة.. مات أستاذ صناعة السيوف في الجاهلية.. وأستاذ صناعة التضحية والفداء في الاسلام.. مات الرجل الذي كان أحد الجماعة الذين نزل القرآن يدافع عنهم.. ويحييهم.. عندما طلب بعض السادة من قريش أن يجعل لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما.. وللقراء من أمثال.. خبّاب.. وصهيب.. وبلال يوما آخر.. فاذا القرآن العظيم يختص رجال الله هؤلاء في تمجيد لهم وتكريم.. وتهل آياته قائلة للرسول الكريم.. ” وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴿٥٢﴾ وَكَذَٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولُوا أَهَـٰؤُلَاءِ مَنَّ اللَّـهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا ۗ أَلَيْسَ اللَّـهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ﴿٥٣﴾ وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ۖ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ۖ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿٥٤﴾” وهكذا.. لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يراهم بعد نزول الآيات حتى يبالغ في اكرامهم فيفرش لهم رداءه.. ويربّت على أكتافهم.. ويقول لهم.. ” أهلا بمن أوصاني بهم ربي”
خامسا.. أجل.. مات واحد من الأبناء البررة لأيام الوحي.. وجيل التضحية.. نذكر كلمات الامام علي كرّم الله وجهه حين كان عائدا من معركة صفين.. فوقعت عيناه على قبر غضّ رطيب.. فسأل.. قبر من هذا.. ؟ فأجابوه.. انه قبر خبّاب.. فتملاه آسيا وقال.. “رحم الله خبّابا.. لقد أسلم راغبا.. وهاجر طائعا.. وعاش مجاهدا”..
أراكم غدا إن شاء الله..
التعليقات مغلقة.