في جهاد الصحابة..
بقلم/ مجدي سالم
الحلقة التاسعة.. عبد الله بن مسعود.. رضي الله عنه
أولا.. هو عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب ويتصل نسبه حتى مضر بن نزار.. وهو الإمام الحبر.. فقيه الأمة ويكنى بأبي عبد الرحمن.. الهذلي المكي المهاجري البدري.. وهو حليف بني زهرة.. وأمه هي أم عبد بنت عبد ود بن سوي من بني زهرة.. ويصفه عبيد الله بن عتبة قال.. كان عبد الله رجلا نحيفا.. قصيرا شديد الأدمة.. وكان من السابقين الأولين.. ومن النجباء العالمين.. شهد بدرا.. وهاجر إلى الحبشة ثم عاد فهاجر غلى المدينة.. كان يوم اليرموك على النفل.. وقد روى أحاديث كثيرة.. وكان معدودا في أذكياء العلماء..
ثانيا.. وعن إسلامه.. قال عبد الله رضي الله عنه.. ( إن أول شيء علمته من أمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم.. قدمت مكة مع عمومة لي أو أناس من قومي.. نبتاع منها متاعا.. وكان في بغيتنا شراء عطر.. فأرشدونا على العباس فانتهينا إليه وهو جالس إلى زمزم.. فجلسنا إليه.. فبينا نحن عنده إذ أقبل رجل من باب الصفا.. صلى الله عليه وسلم.. } أبيض.. تعلوه حمرة.. له وفرة جعدة.. إلى أنصاف أذنيه.. أشم.. أقنى.. أذلف.. أدعج العينين.. براق الثنايا.. دقيق المسربة.. شثن الكفين والقدمين.. كث اللحية.. عليه ثوبان أبيضان.. كأنه القمر ليلة البدر{.. يمشي على يمينه غلام حسن الوجه.. مراهق أو محتلم.. تقفوهم امرأة قد سترت محاسنها.. حتى قصد نحو الحجر فاستلم.. ثم استلم الغلام.. واستلمت المرأة.. ثم طاف بالبيت سبعا.. وهما يطوفان معه.. ثم استقبل الركن فرفع يده وكبر.. وقام ثم ركع.. ثم سجد ثم قام.. فرأينا شيئا أنكرناه لم نكن نعرفه بمكة.. فأقبلنا على العباس.. فقلنا.. يا أبا الفضل.. إن هذا الدين حدث فيكم.. أو أمر لم نكن نعرفه ؟ قال.. أجل والله ما تعرفون هذا.. هذا ابن أخي محمد بن عبد الله.. والغلام علي بن أبي طالب.. والمرأة خديجة بنت خويلد امرأته.. أما والله ما على وجه الأرض أحد نعلمه يعبد الله بهذا الدين إلا هؤلاء الثلاثة..
وقال ابن إسحاق.. أسلم ابن مسعود بعد اثنين وعشرين نفسا.. وعن يزيد بن رومان قال.. أسلم عبد الله قبل دخول النبي – صلى الله عليه وسلم – دار الأرقم.. ودخل عبدالله في ركب الإيمان.. وظل يمخر بحار الشرك في قلعة الأصنام.. فكان واحدًا من أولئك السابقين الذين مدحهم الله في قرآنه العظيم.. أحد السابقين الأولين.. أسلم قديمًا.. وهاجر الهجرتين.. وشهد بدرًا والمشاهد بعدها.. ولازم النبي صلى الله عليه وسلم وكان صاحب نعليه).
ثالثا.. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في معاملته للناس حكيمًا.. وكان يعامل الأكابر وزعماء القبائل بلطف وترفق.. وكذلك الصبيان الصغار.. يحدثنا ابن مسعود عن لقائه اللطيف برسول الله صلى الله عليه وسلم.. ” كنت غلامًا يافعًا أرعى غنما لعقبة بن أبي مُعَيط.. فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر فقال.. ” يا غلام هل من لبن؟” قلت.. (نعم ولكني مؤتمن).. قال.. ” فهل من شاة لم ينز عليها الفحل؟”..
فأتيته بشاة.. فمسح ضرعها فنزل لبن فحلبه في إناء فشرب وسقى أبا بكر.. ثم قال للضرع.. ” اقلص”.. فقلص قال.. ثم أتيته بعد هذا فقلت.. يا رسول الله علمني من هذا القول.. قال.. فمسح رأسي وقال.. ” يرحمك الله فإنك غليم معلم”.. والمفتاح هنا كلمتين عظيمتين.. الأولى قالها عن نفسه.. (إني مؤتمن).. والثانية كانت من الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم حيث قال له.. ” إنك غليم معلم”.. ولقد كان لهاتين الكلمتين دور عظيم في حياته.. فأصبح فيما بعد من أعيان علماء الصحابة..
رابعا.. هو أول من جهر بالقرآن الكريم.. فبالرغم من أن ابن مسعود كان حليفًا.. ليس له عشيرة تحميه.. ومع أنه كان ضئيل الجسم.. دقيق الساقين.. فإن ذلك لم يحل دون ظهور شجاعته وقوة نفسه.. وله مواقف رائعة في ذلك.. منها ذلك المشهد المثير في مكة.. وإبان الدعوة وشدة وطأة قريش عليها.. فلقد وقف على ملئهم وجهر بالقرآن.. فقرع به أسماعهم المقفلة وقلوبهم المغلَّفة.. فكان أول من جهر بالقرآن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة.. فقد اجتمع يومًا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فقالوا.. والله ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر لها به قط.. فمن رجل يسمعهموه؟).. فقال عبد الله بن مسعود.. أنا..
قالوا..إنا نخشاهم عليك.. إنما نريد رجلاً له عشيرة يمنعونه من القوم إن أرادوه..
قال.. دعوني فإن الله سيمنعني.. فغدا ابن مسعود حتى أتى المقام في الضحى.. وقريش في أنديتها.. حتى قام عند المقام ثم قرأ.. ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) رافعا بها صوته ( الرَّحْمَنُ*عَلَّمَ الْقُرْآنَ… ) ثم استقبلها يقرؤها..
فتأملوه فجعلوا يقولون.. ماذا قال ابن أم عبد؟.. ثم قالوا.. إنه ليتلو بعض ما جاء به محمد.. فقاموا إليه فجعلوا يضربونه في وجهه.. وجعل يقرأ حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ.. ثم انصرف إلى أصحابه وقد أثروا في وجهه…. إلى لقاء إن شاء الله..
التعليقات مغلقة.