في جهاد الصحابة …بقلم : .مجدي سـالم
الحلقة الثالثة والعشرون.. علي بن أبي طالب.. رضي الله عنه – 4
عاشرا.. في علي والغزوات.. تتفق المصادر التاريخية سواء كانت سنية أو شيعية.. على التأكيد على الدور الكبير الذي لعبه علي بن أبي طالب في غزوات الرسول.. وعلى أنه كان واحداً من فرسان الصحابة وشجعانهم من الذين ظهرت مهاراتهم القتالية في ميادين المعارك.. وسننقل هنا باقتضاب توجهات المصدرين..
1-10 ورغم هذا الاتفاق المبدئي.. فإننا نلاحظ أن الميول المذهبية الشيعية والسنية قد ألقت بظلالها على توصيف وتحديد دور علي بن أبي طالب في تلك الغزوات.. فبالنسبة للسرد الشيعي.. فإنه قد أضفى على علي صبغة مبالغة واضحة.. بحيث يظهر علي وكأنه البطل الوحيد الذي تتركز عليه الأضواء.. فيضطلع بالمهام الجسيمة وتُلقى على كاهله الشدائد.. أما فيما يخص السرد السني.. فقد عمل على إشراك الصحابة في دائرة الاهتمام.. بحيث تتوزع أدوار البطولة عليهم جميعاً.. فيظهر علي وكأنه واحد فحسب من بين لفيف الأبطال الذين أحاطوا بالرسول وانضووا تحت لوائه وحاربوا بين يديه..
2-10 في غزوة بدر.. وهي الغزوة الأولى التي يخوضها المسلمون ضد المعسكر المكي.. لوجدنا أن أغلبية المصادر التاريخية تتفق مع بعضها البعض على أن المسلمين قد ألحقوا بأعدائهم خسائر ضخمة.. وعلى أن قتلى المشركين في تلك المعركة كان في حدود السبعين رجلاً..
- المصادر الشيعية تتفق على أن الخليفة الرابع قد جندل بسيفه ما يزيد على نصف هذا العدد بمفرده.. وهي مبالغة مقصودة حيث يذكر باقر شريف القرشي في كتابه “موسوعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب”.. أسماء أربعة وثلاثين رجلاً.. قُتلوا على يد ابن عم الرسول في غزوة بدر.. وكذلك تؤكد المصادر الشيعية الدور المهم الذي لعبه حمزة بن عبد المطلب في تلك الغزوة.. وهكذا ترسم المصادر الشيعية لوحة المعركة بوصفها مُنجزاً مخصوصاً لفرسان وأبطال آل البيت النبوي.
- على الجهة المقابلة.. فإن المصادر التاريخية ذات النزعة السنية.. مثل “تاريخ الرسل والملوك” للطبري و”تاريخ دمشق” لابن عساكر و”الكامل في التاريخ” لابن الأثير.. قد أشارت للدور الكبير الذي لعبه علي وحمزة.. ولكنها في الوقت ذاته قد ركزت على استعراض بطولات بعض من الصحابة المُقدمين في العقل السني.. فعلى سبيل المثال.. تتناقل المرويات السنية خبر قتل عمر بن الخطاب لخاله العاص بن هشام بن المغيرة.. وخبر قتل أبي عبيدة بن الجراح لأبيه.. كما تركز على الدور المؤثر الذي لعبه كل من الزبير بن العوام وأبو دجانة الساعدي في قتل العديد من الأعداء..
3-10 في غزوة أحد.. أشارت بعض المصادر السنية دفاع علي بن أبي طالب عن الرسول.. ووقوفه أمام المشركين وتصديه لهم بكل ثبات وقوة.. وفي هذا السياق.. ذكرت بعض المصادر.. ومنها (تاريخ الطبري) و(فضائل الصحابة) لابن حنبل.. أن سيف علي لما انكسر.. أهداه الرسول سيفه “ذا الفقار”.. فهذا السيف سيصبح فيما بعد ذا دلالة قوية ومؤثرة في العقل الشيعي.. فأخذه علي وجندل به كفار مكة.. وعلى الرغم من شهرة تلك الرواية فإن الكثير من علماء أهل السنّة قد قالوا بضعفها.. ومنهم على سبيل المثال عبدالرحمن بن الجوزي في كتابه “الموضوعات”.. وابن كثير في كتابه “البداية والنهاية”.. على الجهة المقابلة.. فإن المصادر الشيعية عبر القرون.. ومنها “مناقب آل أبي طالب” لابن شهر آشوب و”بحار الأنوار” للمجلسي.. قد أكدت الشواهد والأدلة على شجاعة علي الفائقة في حروبه.. مما ينبغي الإشارة إليه أيضاً في سياق الحديث عن غزوة أحد أن الروايات السنية قد أكدت الدور الكبير الذي لعبه بعض الصحابة الذين تولوا الدفاع عن الرسول ولم تشر إليهم المصادر الشيعية على الإطلاق.. ويأتي على رأس هؤلاء طلحة بن عُبيد الله الذي دافع عن الرسول حتى شُلت يده بحسب ما يذكر ابن الأثير في كتابه الكامل.. وأيضاً سعد بن أبي وقاص الذي يذكر البخاري في صحيحه أنه قد رمى بالقوس والسهام دفاعاً عن النبي.. فقال له: ” إرم يا سعد.. فداك أبي وأمي”..
4-10 في غزوة الخندق قتل علي بن أبي طالب فارس العرب عمرو بن ود.. واتفق التوجهان على بطولة علي في قتاله معه.. ومنها أن الرسول لما وجد أصحابه قد تقاعسوا عن القيام لمبارزة عمرو بن ود.. فإنه نادى قائلاً: “من يقم لمبارزته فله الإمامة بعدي”.. وفي السياق نفسه.. تذكر بعض المصادر الشيعية قول الرسول لعلي بعد قتله غريمه: ” لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن ود يوم الخندق أفضل من أعمال أمتي إلى يوم القيامة”.. وهو الحديث – الذي رغم وروده في بعض المصادر السنية – فإن أغلبية العلماء السنة قد قالوا بوضعه واختلاقه وبأنه من وضع الشيعة الروافض.. وإن اتفق رواة الطرفين أن الرسول قد عمم عليا رضي الله عنه بعمامته قبل أن يقوم لمبارزة غريمه.. بل وحرص على لفها صلى الله عليه وسلم على رأسه بنفسه.. أراكم باكر إن شاء الله..
الصورة.. في المسعى بين الصفا والمروة
التعليقات مغلقة.