في جهاد الصحابة.. بقلم / مجدي سـالم الحلقة / 652 ” البراء بن مالك بن النضر من بني النجار”.. “حروب الردة” -9
في جهاد الصحابة.. بقلم / مجدي سـالم
الحلقة / 652 ” البراء بن مالك بن النضر من بني النجار”.. “حروب الردة” -9
ثامن عشر.. في نتائج حروب الردة..
يكفي أن توحَّدت شبه الجزيرة العربية بفضل الله.. ثمَّ جهاد الصَّحابة مع الصِّدِّيق تحت راية الإِسلام لأوَّل مرَّةٍ في تاريخها بزوال الرؤوس.. أو انتظامها ضمن المدِّ الإِسلامي.. وبسطت عاصمة الإِسلام ـ المدينة ـ هيمنتها على ربوع الجزيرة.. وأصبحت الأمَّة تسير بمبدأٍ واحدٍ.. بفكرةٍ واحدةٍ.. فكان الانتصار انتصاراً للدَّعوة الإِسلاميَّة.. ولوحدة الأمَّة بتضامنها.. وتغلُّبها على عوامل التفكُّك.. والعصبيَّة.. كما كانت برهاناً على أنَّ الدَّولة الإِسلاميَّة بقيادة الصِّدِّيق قادرةٌ على التغلُّب على أعنف الأزمات..
ولقد خلَّفت حروب الردَّة آثاراً ونتائج لم تكن محدودة الزَّمان.. والمكان.. وإِنَّما شملت أجيالاً وآمادًا.. وتصوُّرات.. وأفكاراً.. وسلوكياتٍ.. وأحكاماً ما زالت تغذِّي الأجيال من بعدها.. وتمدُّها بالكثير..
1 ـ تميُّز الإِسلام عمَّا عداه من تصوراتٍ.. وأفكارٍ.. وسلوك بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) اختلطت الأمور ببعضها.. وسارعت الأعراب إِلى الردَّة.. فكان منهم المؤلَّفة قلوبهم.. أو من المنافقين.. أو الَّذين أسلموا رغم أنوفهم.. وفي وقتٍ متأخِّرٍ.. أو من الَّذين لم يسلموا أصلاً.. ومن أمثلة الصِّنفين الأوَّلين:
إِسلام عيينة بن حصن الفزاري؛ الَّذي أسلم إِسلاماً فيه دخنٌ كبيرٌ.. ولذا ما إِن هبَّت نار الفتنة حتَّى استجاب لها.. وباع دينه بدنيا طليحة الأسدي.. ولمَّا أسر.. وبعث إِلى أبي بكرٍ مقيَّداً بالأغلال كان فتيان المدينة يمرُّون عليه.. فينخسونه بالجريد.. ويقولون: أي عدو الله! أكفرت بعد إِيمانك؟! فيقول: والله ما كنت امنت بالله قطُّ!
ومن هؤلاء الذين يقال: إِنَّهم لم يسلموا أصلاً مثل قبيلة عنس اليمنيَّة.. وهي قبيلة الطَّاغية الأسود الَّذي ادَّعى النُّبوَّة.. وفعل في بلاد اليمن الأفاعيل.. ونكَّل بالمسلمين.. ومن أمثلة سوء الفهم لنصوص الإِسلام الَّتي أدَّت بهؤلاء إِلى الكفر.. أنَّ بعضاً منهم أنكر الزَّكاة محتجّاً بمدلول
قوله تعالى:
{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ *} ..
فقد جاء في التَّعليق على هذه الآية في تفسير ابن كثير ـ رحمه الله ـ قوله:
اعتقد بعض مانعي الزَّكاة من أحياء العرب: أنَّ دفعها إِلى الإِمام لا يكون.. وإِنَّما كان هذا خاصّاً برسول الله (صلى الله عليه وسلم).. وقد احتجُّوا بقوله تعالى: وقد ردَّ عليهم هذا التَّأويل {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً….} السَّقيم والفهم الفاسد أبو بكرالصديق .. وسائر الصَّحابة (رضوان الله عليهم) وقاتلوهم حتَّى أدَّوها إِلى الخليفة.. كما كانوا يؤدُّونها إِلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ..
وظهرت العصبيَّة القبليَّة بقوَّةٍ.. فهذا مسيلمة الكذاب يقول لبني حنيفة محرِّضاً إِيَّاهم على اتِّباعه.. وإِنكار حقّ قريش بالنُّبوَّة: أريد أن تخبروني بماذا صارت قريش أحقَّ بالنُّبوَّة.. والإِمامة منكم؟! والله ما هم بأكثر منكم.. ولا أنجد.. وإِنَّ بلادكم لأوسع من بلادهم.. وأموالكم أكثر من أموالهم.
وهذا الرَّجال بن عنفوه الحنفي الَّذي أضلَّه الله على علمٍ.. بعد أن قرأ القران.. وفقه في الدِّين.. يقول في حقيقة النُّبوَّة بين رسول الله.. ومسيلمة: كبشان انتطحا.. فأحبُّهما إِلينا كبشنا.
وهذا طلحة النمريُّ قال لمسيلمة عندما راه.. وسمع منه ما علم به كذبه: أشهد أنَّك كذَّاب.. وأنَّ محمداً صادقٌ.. ولكن كذَّاب ربيعة أحبُّ إِلينا من صادق مُضر.
بل إِن مسيلمة يعرف كذب نفسه.. فلمَّا كانت معركة اليمامة.. وبدت الغلبة للمسلمين؛ قال له أصحابه محنكين عليه: أين ما كنت تعدنا به من النَّصر.. والآيات؟ فقال: قاتلوا عن أحسابكم.. فأمَّا الدِّين فلا دين.
واختلطت عليهم التصوُّرات.. والأفكار.. والسُّلوكيَّات.. والآمال.. وعمل المرتدُّون على إِنهاء الإِسلام.. ومحوه من الوجود.. وتكالبت قوى الشَّرِّ على ذلك..
ولكن محاولاتهم باءت بالفشل.. وأُحبطت جميعها بتوحُّد المسلمين.. وتجمُّعهم.. وتكتُّلهم حول القاعدة الصُّلبة للمجتمع الإِسلاميِّ؛ الَّتي تربَّت على يد رسول الله (صلى الله عليه وسلم).. وأصبحت تشبه القطب المغناطيسي الضَّخم الَّذي قام ـ بحكم طبيعته.. وخصائصه ـ بجذب كلِّ مَنْ كان مؤهَّلاً للإِسلام.. ويحمل خاصِّيَّة الانجذاب إِلى هذا القطب المغناطيسي الضَّخم الفعَّال..
فقد أدَّى هذا التجمُّع إِلى إِظهار قوَّة الإِسلام.. ليس بكثرة العدد والعُدَّة.. وإِنَّما في قوَّة تفرُّده تصوُّراً.. وفكراً.. وسلوكاً في لبناته الصُّلبة.. وتربيتها الفذَّة الَّتي تربَّت عليها تلك اللبنات مجتمعةً.. والقوَّة في وضوح التَّعامل مع الحدث دون مواربةٍ.. أو تريُّثٍ.. أو إِغماضِ عينٍ وفتحِ الأخرى.. وإِنَّما كانوا واضحين.. نفس وضوح عبارة أبي بكرٍ الصِّديق للمسلمين جميعاً: من كان يعبد محمَّداً؛ فإِنَّ محمَّداً قد مات.. ومن كان يعبد الله؛ فإِنَّ الله حيٌّ لا يموت..
كان من نتائج أحداث الردَّة حفظ التصوُّر الإِسلاميِّ من التَّحريف.. والتَّشويه.. وأَنْ تجرَّدت الرَّاية الإِسلاميَّة من العصبيَّة الجاهليَّة.. والولاء المختلط.. وصارت خالصةً من أيَّة شائبةٍ.. وأنَّ التَّصوُّر الإِسلاميَّ لا يقبل المداهنة مهما كانت الظُّروف المحيطة..
.. نكمل غدا إن شاء الله..
التعليقات مغلقة.