في جهاد الصحابة.. بقلم / مجدي سـالم الحلقة / 704 ” باذان بن ساسان بن بلاش”..”من رسم تاريخ اليمن” –2
في جهاد الصحابة.. بقلم / مجدي سـالم
الحلقة / 704 ” باذان بن ساسان بن بلاش”..”من رسم تاريخ اليمن” –2
ثالثا.. في الدعوة إلى الإسلام و رد فعل كسرى.. نكمل..
إختار صلى الله عليه وسلم لهذه المهمة ستّة من الصحابة.. وكان من بينهم عبدُ الله بنُ حُذَافة السَّهْمِيّ الذي كان عليه حمل رسالة النبيّ المصطفى عليه الصلاة والسلام إلى كِسْرَى ملك الفرس..
فجهّز سيدنا عبد الله بن حُذَافَة ناقته.. وودّع زوجته وولده.. ومضى إلى غايته وحده بعد أن دعا له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.. وهو يحمل في قلبه إيمانًا ثابتًا.. وقطع الصحارى وعبر البوادي وصعد الجبال حتى وصل بلاد فارس.. فقصد قصر كسرى واستأذن بالدخول عليه.. وأعلم أعوان الملك بالرسالة التي يحملها من النبيّ صلى الله عليه وسلم..
أمر كسرى بتزيين مكان جلوسه على عرشه وهو الإيوان.. واستدعى وزراءه وأمراءه ليحضروا مجلسه.. فأتَوْا.. ثم أعطى الإذن لعبد الله بن حُذَافَة فدخل وقد لفّ جسمه بكساء رقيق.. مرتديًا عباءة غليظة النسيج.. رافعًا رأسه معتزًّا بإيمانه وإسلامه.. قد انتصبت قامته المديدة.. وأدار نظره على الجموع ثم صوّب نظره إلى على كسرى الجالس على عرشه..
أشار كسرى إلى أحد رجاله ليأتي بالرسالة فقال سيدنا عبد الله بن حذافة: لا.. إنما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أدفعها لك يدًا بيد.. وأنا لا أخالف أمرًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم.. فلما تُرجم ما قاله لكسرى أمرهم بأن يدعوه يقترب منه.. فدنا من كسرى حتى ناوله الرسالة فأعطاها لترجمانه ليقرأها ففتحها وبدأ بقراءتها..
قرأ الترجمان الرسالة فقال: إنَّ فيها: “بسم الله الرحمن الرحيم.. من محمّد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس.. سلام على من اتبع الهدى…” وما إن سمع كسرى من الرسالة هذا المقدار اشتعلت نار الغضب في صدره.. واحمرّ وجهه لأنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم بدأ بنفسه.. فجذب الرسالة من يد الترجمان وجعل يمزّقها دون أن يعلم ما فيها وهو يصيح: “أيكتب لي بهذا.. وهو عبدي ؟” ثم أمر بسيدنا عبد الله أن يُخْرَجَ فخرج..
خرج عبد الله رضي الله عنه وهو لا يدري ماذا سيفعلون به.. ولكنه قال: والله ما أبالي على أيّ حال أكون بعد أن أدّيت كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وركب راحلته وانطلق.. ولما سكن غضب كسرى.. أمر أن يُدْخَلَ عبد الله إليه فلم يجدوه.. فلما قدم عبد الله على النبيّ صلى الله عليه وسلم أخبره ما كان من أمر كسرى وتمزيقه الرسالة.. فما زاد عليه صلى الله عليه وسلم على أن قال: “مزّق الله ملكه”..
رابعا.. في إسلام باذان رضي الله عنه..
وكان أن وكتب كسرى إلى نائبه “باذان” الذي كان حاكمًا على اليمن.. أن يرسل جنديين إلى سيدنا “محمَّد” صلى الله عليه وسلم وأن يأتيا به إليه.. فبعث “باذان” رجلين إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم الذي أبقاهما عنده يومًا آخر.. وفي اليوم التالي قال لهما رسول الله عليه الصلاة والسلام: “لن تلقيا كسرى بعد اليوم.. فلقد قتله الله حيث سلط عليه ابنه “شيرويه” في ليلة كذا.. من شهر كذا”..
فخرجا وعادا إلى “باذان” الذي كان قد وصلت إليه رسالة من “شيرويه” يخبره بأنه قتل والده وحلّ مكانه.. فتأكّد عندها “باذان” من صدق النبيّ صلى الله عليه وسلم.. فقال أشهدُ أن لا إلهَ إلاّ الله وأشهدُ أنّ محمدًا رسول الله.. وأسلَمَ كل من كان معه من الفرس في بلاد اليمن..
وفي رواية أنه كتب كسرى- بعد أن هدأت ثورته- إلى باذان عامله على اليمن أن ابعث من عندك رجلين جلدين إلى هذا الرجل الذي بالحجاز.. فليأتياني به أو بخبره.. فبعث باذان قهرمانه.. ورجلا آخر.. وكتب معهما كتابا.. فقدما المدينة.. فدفعا كتاب باذان إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-.. فتبسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.. ودعاهما إلى الإسلام.. وفرائصهما ترعد.. وقال: “ارجعا عني يومكما هذا.. حتى تأتياني الغد.. فأخبركما بما أريد”.. فجاءاه من الغد.. فقال لهما:
“أبلغا صاحبكما أن ربي قد قتل ربه كسرى في هذه الليلة لسبع ساعات مضت منها.. وهي ليلة الثلاثاء لعشر ليال مضين من جمادى الأولى سنة سبع.. وأن الله -تبارك وتعالى- سلط عليه ابنه شيرويه.. فقتله”..
فرجعا إلى باذان بذلك.. فأسلم هو والأبناء الذين باليمن..
ولقد قام باذان بنفسه بالسفر إلى أماكن مختلفة لنشر الدين الإسلامي.. بالقرب من الساحل الفارسي.. ويقال أنه مرض وتوفي هناك ودفن.. والحديث صححه الألباني في السلسلة الصحيحة.. وقال بعد ما ذكر طرقه: فصح الحديث.. والحمد لله تعالى.. ولعله لما ذكرنا للحديث من الشواهد والطرق سكت عليه الحافظ في ” فتح الباري”..
.. أراكم غدا إن شاء الله..وسلم..
الصورة.. من رسائله صلى الله عليه وسلم..
التعليقات مغلقة.