في جهاد الصحابة.. بقلم / مجدي سـالم الحلقة / 724 ” سراقة بن عمرو”..” ذو النور في أرمينية”-3

في جهاد الصحابة.. بقلم / مجدي سـالم
الحلقة / 724 ” سراقة بن عمرو”..” ذو النور في أرمينية”-3

خامسا.. المهام التي تولاها مع الخلفاء الراشدين.. نفصل..

أولاها: في عصر أبي بكر الصديق..

يُطابق حال سراقة بن عمرو في ذكر مشاركته في الحروب في عصر الصديق.. حال الكثير من القادة والأبطال الذين أغفلت المصادر ذكرهم لسبب أو لاخر.. وهو ما نراه جلياً في كتب المغازي والتاريخ عموما..

وفي محاولة التقصي والبحث عن الحقيقة.. ومن هذه المعطيات.. أن الخلفاء الذين أعقبوا حكم النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يولوا رجل جيشاً من دون تجريبه.. فلم يظهر سراقة كثيرا بداية.. ثم ظهر القائد سراقة زمن عمر بن الخطاب – في تلك الولاية البعيدة في مكانها؛ الخطيرة في أهلها؛ الصعبة في تضاريسها.. ما يثبت أن القائد قد تمت تجربته والوقوف على أمكاناته العسكرية والادارية الجيدة.. وهذا يتطلب ولا شك التسلسل في المراتب العسكرية حتى الوصول الى القيادة العامة.. وهو ما يوحي بأنه قد شارك بمعارك في عصر الصديق والنبي صلى الله عليه وسلم من قبله وأن لم تذكره النصوص..

ثانيها.. في عصر عمر بن الخطاب..

تبدو النظرة العسكرية والادارية لسراقة بن عمرو أكثر وضوحاً وجلاءاً منها في عصر سابقه ابي بكر الصديق.. إذ وجهه الفاروق الى مدينة الباب وهي مقدم منطقة الداغستان الآن.. وأمره ان يغير على هذه البقاع وعين له عدة قادة أشداء.. فجعل على مقدمته عبد الرحمن بن ربيعة.. والطريف أنه كان أيضاً يدعى ذا النور.. وجعل على إحدى مجنبتيه حذيفة بن أسيد الغفاري.. وعلى الأخرى بكير بن عبد الله الليثي.. وكان بكير قد سبقه إلى الباب.. وجعل على المقاسم سلمان بن ربيعة الباهلي..

فانطلق ومعه قادته ولحقوا بالذين سبقوه الى الباب.. ولما أطل عبدالرحمن بن ربيعة على الملك بالباب -والملك بها يومئذ يدعى شهربراز- وهو رجل من أهل فارس وكان على ذلك الفرج.. فكاتبه شهربراز واستأمنه على أن يأتيه.. ففعل.. فقال الملك ضعوا عنا جزيتنا.. وإليكم علينا النصر لكم والقيام بما تحبون.. فلا تذلونا بالجزية فتوهنونا لعدوكم.. فقال عبدالرحمن فوقي رجل قد أظلك فسر إليه.. فجوزه فسار إلى سراقة.. فلقيه بمثل ذلك – فقال سراقة قد قبلت ذلك فيمن كان معك على هذا ما دام عليه.. ولا بد من الجزاء ممن يقيم ولا ينهض.. فقبل ذلك.. وصار سنة فيمن كان يحارب العدو من المشركين وفيمن لم يكن عنده الجزاء إلا أن يستنفروا فتوضع عنهم جزية تلك السنة..

ولكن تنفيذاً لمقتضيات الرجوع الى الخليفة في المدينة.. وأعلامه بما يجري في الولايات الاسلامية.. كتب سراقة إلى عمر بن الخطاب بذلك.. فأجازه وحسنه.. وليس لتلك البلاد التي في ساحة تلك الجبال نسأل: لم يقم الأرمن بها إلا على أو فاز.. وإنما هم أصلا سكان ممن حولها ومن الطراء.. قد استأصلت الغارات أهل القرار وفر أهل الجبال منهم إلى جبالهم وجلوا عن قرار أرضهم.. فكان لا يقيم بها إلا الجنود ومن أعانهم أو تاجر إليهم فاكتتبوا من سراقة بن عمرو كتابا.. فدخل معهم في اتفاق أن ينفروا لكل غارة وينفذوا لكل أمر ناب..

وتأتي إدارة اتفاقية الصلح.. فقد ذكرت المصادر أنه توجه مع جيشه لفتح “باب الابواب” فخرج اليه حاكمها طالباً الامان.. حيث لقي عبد الرحمن بن ربيعة – أحد قادته – فأعطاه بن ربيعة الامان وسمع مقالته..
ثم أرجأه الى الى القائد سراقة بن عمرو الذي لفيه فسمع منه.. فقال له: (( قد قبلت ذلك فيمن كان معك على هذا ما دام عليه.. ولا بد من الجزاء ممن يقيم ولا ينهض فقبل ذلك.. وصار سنة فيمن كان يحارب العدو من المشركين.. وفيمن لم يكن عنده الجزاء.. إلا أن يستنفروا فتوضع عنهم جزاء تلك السنة )) ..

وبعد التشاور مع الخليفة أمير المؤمنين.. كتب سراقة لامير المومنين عمر بهذا فأجازه بن الخطاب وحسنه..
فكتب سراقة كتاب امان لهم وثبت ما عليهم من واجب:
” بسم الله الرحمن الرحيم.. هذا ما أعطى سراقة بن عمرو – عامل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – شهربراز وسكان أرمينية والأرمن من الأمان.. أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم وملتهم.. الا يضاروا ولا ينتقضوا.. وعلى اهل أرمينية والأبواب.. الطراء منهم والتناء ومن حولهم.. فدخل معهم.. أن ينفروا لكل غارة.. وينفذوا لكل أمر ناب أو لم ينسب رآه الوالي صلاحا.. على أن توضع الجزاء عمن أجاب إلى ذلك إلا الحشر.. والحشر عوض من جزائهم ومن استغنى عنه منهم وقعد.. فعليه مثل ما على أهل أذربيجان من الجزاء والدلالة والنزل يوما كاملا.. فإن حشروا وضع ذلك عنهم.. وإن تركوا أخذوا به”.. وشهد على هذا الامان كبار قادة الجيش كعبد الرحمن بن ربيعة واخيه سلمان وحبيب بن مسلمة وغيرهم.. وبهذا مرت فترة حكم سراقة بن عمرو لباب الابواب بشكل طبيعي.. فبعد أن سيطر على مدينة باب الابواب وما حولها وفتحها صلحاً أرسى النظام الإسلامي فيها تطلع للتوسع في المناطق المجاورة..

(تشغل بلاد الداغستان معظم القسم الشرقي من بلاد القوقاز.. وتمتد على الساحل الغربي لبحر قزوين. ما بين مصب نهر (ترن) شمالا وشبه جزيرة (ابشرون) جنوبا.. وتحدها قمم جبال القوقاز العالية مثل (البرز) و (قازيك) وممر (دريال) الشهير وبعض بلاد الكرجستان غربا.. ومجرى نهر (ترن) شمالا وجمهورية أذربيجان جنوبا) .. ..
.. أراكم غدا إن شاء الله..

الصورة.. من أسس الحضارة في داغستان..