في جهاد الصحابة.. بقلم / مجدي سـالم الحلقة / 648 ” البراء بن مالك بن النضر من بني النجار”.. “حروب الردة” -5
في جهاد الصحابة.. بقلم / مجدي سـالم
الحلقة / 648 ” البراء بن مالك بن النضر من بني النجار”.. “حروب الردة” -5
يحار المؤرخ أمام أحداث بعينها وأمام سؤال ملح.. أين يجب أن يدرجها.. وتأتي حروب الردة وأسبابها وتفاصيلها في المقدمة.. فالقرار كان للصديق أبي بكر.. وربما كان الأولى أن تدرج الأحداث ضمن سيرة حياته.. وأبطال الأحداث كثر وتتداخل أدوارهم.. والبراء بن مالك الأنصاري هو أحد أبطالها..
تروي “قصة الإسلام” عن أنس بن مالك قال لما بعث أبو موسى على البصرة كان ممن بعث البراء بن مالك وكان من ورائه فكان يقول له اختر عملا فقال البراء ومعطي أنت ما سألتك قال نعم قال أما إني لا أسألك إمارة مصر ولا جباية خراج ولكن أعطني قوسي وفرسي ورمحي وسيفي وذرني إلى الجهاد في سبيل الله فبعثه على جيش فكان أول من قتل.. يعني يوم “تستر”..
ونجدها فرصة سانحة لإجمال نتائج حروب الردة وما تلاها من الأحداث في طيات ترجمته وسيرته..
حادي عشر.. في مواقع حروب الردة وما كان في موقعة اليمامة..
تقول دائرة المعارف “المعرفة” عنها.. أن معركة اليمامة.. قد وقعت في ديسمبر 632 م. في سهل عقربا (بالسعودية).. في منطقة اليمامة.. بين قوات الخليفة أبو بكر الصديق ضد مسيلمة الكذاب.. مدعي النبوة..
بداية.. في ما كان من القبائل المحيطة بالمدينة وما يليها.. تقع منطقة اليمامة في شمال المدينة مباشرة على بُعد أميال قليلة من المدينة قبائل عبس.. وذبيان.. وهذه القبائل بمجرد خروج جيش أسامة بن زيد إلى منطقة الشمال.. ولقربها من المدينة.. عرفت أنها بدون جيش يحميها.. وأن هذا الجيش هو كل طاقة المدينة..
فخرجت جيوش عبس وذبيان تترصد للمدينة.. وهجموا بالفعل على أطراف المدينة..
وعلم أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه أن الجيوش تترصد المدينة لتهجم عليها.. فما كان من الصديق إلا أن جهز بقية الصحابة الموجودين بالمدينة.. ليحاربوا هؤلاء القوم.. ولا ينتظرهم حتى يدخلوا عليهم المدينة.. وجعل نفسه رئيسًا للجيوش.. وهذه أول معركة يقودها بنفسه.. فقاد المعركة بنفسه رضي الله عنه وأرضاه.. فخرج على رأس الجيش.. وأشار عليه بعض الصحابة أن يبقى بالمدينة.. حتى إذا قتل لا ينفك أمر المسلمين.. إلا أنه أصر على الخروج.. وجعل على ميمنته النعمان بن مقرن.. وعلى الميسرة عبد الله بن مقرن.. وعلى المؤخرة سويد بن المقرن..
وخرج الجيش في آخر الليل.. وعسكر قرب جيوش عبس وذبيان.. ولم تعرف عبس وذبيان أن أبا بكر قد وصل إلى هذا المكان.. حتى إذا صلى المسلمون صلاة الفجر.. هجموا على جيوش عبس وذبيان.. وانتصروا عليهم انتصارا عظيما.. ولم يكتفوا بالانتصار فقط.. بل طاردهم أبو بكر حتى منطقة تسمى ذا القصة على بعد أميال.. وتتبع الفارين منهم.. وأهلك منهم الكثير.. وعاد بجيشه إلى المدينة المنورة.. فكان لهذا الأمر الأثر الكبير على الجزيرة العربية.. فلم يجرؤ أحد أن يهاجم المدينة مرة أخرى..
ثاني عشر.. في الإعداد لحرب المرتدين..
بدأ الصديق رضي الله عنه في إعداد الأمر كخير ما يمكن أن تعد أمور الحرب.. فقام بأمور عظيمة.. وتجهيزات مهيبة.. وفي وقت محدود.. لقد كان الصديق رضي الله عنه رجلًا بأمة..
قام الصديق أولًا بحراسة المدينة المنورة حراسة مستمرة.. فوضع الفرق العسكرية في كل مداخل المدينة.. وكان على رأس هذا الفرق علي بن أبي طالب.. والزبير بن العوام.. وطلحة بن عبيد الله.. وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم.. وكانت هذه الفرق تقوم بحراسة المدينة بالتناوب ليلًا ونهارًا.. وقامت بالفعل بصد بعض الهجمات الليلة التي قام بها المرتدون..
ثم قام الصديق رضي الله عنه بعد خطوة تأمين المدينة عسكريًا بمراسلة كل القبائل التي بقيت على الإسلام لتوافيه في المدينة المنورة.. وأقام معسكرًا للجيوش الإسلامية في شمال المدينة في منطقة تعرف بذي القصة على بعد أربعة عشر ميلًا.. فجاءت الوفود الإسلامية من مكة.. والطائف.. وجاء المسلمون الذين لم يرتدوا من قبائل غفار.. وأسلم.. وجهينة.. ومزينة.. وكعب.. وطيئ.. وبجيلة.. وغيرها..
ومعنويا.. أرسل الصديق رضي الله عنه رسائل شديدة اللهجة إلى كل قبائل المرتدين يدعوهم فيها إلى العودة إلى ما خرجوا منه.. وإلا حاربهم أشد المحاربة.. وهدد في هذه الرسائل.. وتوعد.. وذلك ليلقي الرهبة في قلوبهم.. كنوع من الحرب النفسية على المرتدين.
وعلى الأرض.. بدأ الصديق رضي الله عنه في تجهيز مجموعة من الجيوش الإسلامية التي ستخرج لحرب المرتدين في وقت متزامن.. فجهز أحد عشر جيشًا كاملًا.. ومع أن كل جيش لم يَعْدُ أن يكون ألفين أو ثلاثة.. أو بالكاد خمسة آلاف.. ولكنها كانت جيوشًا منظمة, راغبة في الجهاد, مستعدة للموت.. فاهمة لقضيتها, معتمدة على ربها.. ومن كانت هذه صفته فيرجى له النصر إن شاء الله.. وحدد الصديق رضي الله عنه اتجاه كل جيش من هذه الجيوش الأحد عشر. وإذا درست خريطة توزيع تحركات هذه الجيوش.. فستدرك بوضوح مدى دقة الصديق رضي الله عنه.. ومهارته.. وعبقريته.. وعلمه.. وتوفيقه..
.. أراكم غدا إن شاء الله..
الصورة.. حروب الردة كانت تدريبا – باهظ الثمن- للفارس المسلم..
التعليقات مغلقة.