في جهاد الصحابة.. بقلم / مجدي سـالم على هامش الحلقة / 638 “عبدالله بن عباس”.. “سيرته في سطور.. خاتمة” -18
في جهاد الصحابة.. بقلم / مجدي سـالم
على هامش الحلقة / 638 “عبدالله بن عباس”.. “سيرته في سطور.. خاتمة” -18
وكما يسر الله لنا مع ترجمة بن عمر.. نقدم عن ابن عباس هذا المقال الرائع.. للأستاذ/ حمدى شفيق..
(1) في أبيه العباس بن عبد المطلب.. مقدمة..
كان العباس بن عبد المطلب رضى الله عنه من الذين يخفون إسلامهم.. إذ بقى بمكة بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم.. ليباشر تجارته الواسعة.. والأهم من ذلك ليعرف أخبار المشركين.. و ينقلها أولا بأول إلى ابن أخيه صلى الله عليه وسلم فى المدينة المنوّرة.. و لم يدع الكفار الفرصة للعباس للتخلّف عن جيشهم فى الغزوة الأولى”بدر” فقد أجبروه على الخروج معهم لقتال ابن أخيه..وعلم الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك .. فأمر أصحابه بعدم قتل العباس و نفر من المسلمين وغيرهم.. لأنهم لم يرغبوا فى القتال ضد النبى.. وإنما أكرههم الكفّار على ذلك.وبالفعل وقع العباس أسيرًا بعد إنتصار المسلمين الساحق فى بدر”.. واقتاده أحد الصحابة قائلًا له: جزاك الله شرّا من ذى رحم.. هل جئت لتقاتل ابن أخيك مع أعدائه؟! ومع هذا فقد أوصانا صلى الله عليه وسلم بألا نقتلك.. قال العباس: ليس هذا بأول برّه وإحسانه..
وقد تألم النبى صلى الله عليه وسلم عندما سمع أنين العباس فى الحبس ليلًا.. وعرض عليه أصحابه فك قيود عمه.. فأبى صلى الله عليه وسلم الا أن يفكوا قيود كل الأسرى وليس عمه وحده.. وجاء العم إلى مجلس ابن أخيه يقول له: يارسول الله.. إن القوم أخرجونى بالإكراه.. وإنى كُنت مسلمًا.. لكن نبى العدالة أخبر عمه أنه لا مفر من معاملته بحسب ظاهر الأمر.. و هو أنه جاء مُحاربًا فى صفوف المشركين.. فلا بد له من دفع الفدية.. كغيره من أثرياء الأسرى.. كما رفض عليه الصلاة والسلام الاستجابة لرغبة الأنصار فى إطلاق سراح ابن أختهم العباس – جدّته أم أبيه هى سلمى النَجّارية -إبعادًا لشبهة المُحاباة.. وأما الفقراء فقد عفا عنهم النبى بلا مقابل.. ومن كان يجيد القراءة والكتابة منهم أطلق النبى سراحه.. بشرط أن يقوم بتعليم عشرة من المسلمين مبادىء القراءة والكتابة.و حاول العباس التهرّب من دفع الفدية قائلًا.. إنه لا يملك المبلغ المطلوب.. لفداء نفسه وابن اخيه عقيل بن أبى طالب الذى وقع أسيرًا معه..
إبتسم النبى صلى الله عليه وسلم.. وسأله عن المال الذى أعطاه لامرأته “أم الفضل” بمكة قبل خروجه مع الجيش.. وأوصاها إن قُتل فى المعركة أن تقوم بتوزيعه على أولاده.. بنصيب حَدّده لكل منهم. وهنا صاح العباس: أشهد أنك رسول الله حقًّا.. فوالله ما حضر هذا أو سمعه أحد غيرى وأم الفضل.. وإنى لأعلم أنه ما أطلعك على هذا الأمر إلا الله..
و قد نزلت اّية كريمة.. تطمئن العباس وأمثاله.. و تخبرهم أن الله يعلم شأنهم.. وسوف يؤتيهم خيرًا مما دفعوه.. و يغفر لهم: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الْأَسْرَىٰ إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (70) سورة الأنفال.. وعاد العباس إلى مكة مع عقيل ابن أخيه.. بعد اطلاق سراحهما.. ليواصل الحياة بها فترة أخرى.. ومكث معه بها أولاده ومنهم الصغير”عبد الله” و لم يكن أمامهم سوى الصبر.. حتى اقترب فتح مكة.. فخرج العباس بأهله وولده.. لملاقاة ابن أخيه خارجها .. واستأمنه على أهلها.. كما استامنه على أبى سفيان.. و لم يُخَيّب النبى صلى الله عليه وسلم ظن عمه وأهل مكة كلها فيه.. فقد أصدر عفوًا عامًا عنهم..وكان الفتح العظيم بداية لمرحلة جديدة من مراحل الدعوة الاسلامية..
( 2 ) في نشأة عبد الله بن عباس..
نشأ عبد الله بن عباس فى عائلة مُباركة.. ولاحظ الجميع نبوغًا مُبَكّرًا فى الصبى الهاشمى..
ومن ذلك أنه بات ليلة عند خالته ميمونة.. أم المؤمنين.. زوج النبى صلى الله عليه و سلم.. فرأى الرسول يصلى بالليل.. فتوضأ ووقف يصلى خلفه.. فجذبه النبى صلى الله عليه وسلم.. ليقف إلى جواره.. لكن الصبى أصرّ على التراجع خلفه.. و بعد إنتهاء الصلاة سأله صلى الله عليه وسلم عن سبب إصراره على التأخر.. فقال عبد الله:وهل يساويك أحد وأنت الرسول الذى بعثك الله.. وأنزل عليك القراّن؟ فابتسم النبى صلى الله عليه وسلم ودعا له بالخير.. و فى مرة أخرى وجد الرسول وعاء فيه ماء ليتوضأ به.. فسأل عمن أعده له.. وعندما أخبروه أنه عبد الله ابن عمه العباس.. دعا له الرسول صلى الله عليه وسلم قائلا:”اللهم فَقّهه فى الدين وعلّمه التأويل”رواه البخارى وغيره.و هو دعاء شريف للصغير بأن يهبه الله فهمًا فى الدين و تفسير القراّن الكريم.واستجاب الله لنبيه.. فأتم عبد الله حفظ القراّن الكريم قبل أن يُكمل العاشرة من عمره.و حبّب الله تعالى اليه طلب العلم.. ثم تعليمه و نشره طوال حياته.و يروى علماء التراجم أن العباس أرسل عبد الله ذات مرة الى ابن أخيه.. فعاد الغلام ليخبر أباه أن النبى مشغول بالحديث مع رجل معه.وعندما جاء العباس ليستطلع الأمر.. أخبره الرسول عليه الصلاة والسلام أن الرجل الذى راّه عبد الله عنده هو جبريل.. نكمل غدا إن شاء الله..
التعليقات مغلقة.