في جهاد الصحابة.. بقلم / مجدي سـالم على هامش الحلقة / 638 “عبدالله بن عباس”.. “سيرته في سطور.. خاتمة” -19
في جهاد الصحابة.. بقلم / مجدي سـالم
على هامش الحلقة / 638 “عبدالله بن عباس”.. “سيرته في سطور.. خاتمة” -19
نستكمل عنه هذا المقال الرائع.. للأستاذ/ حمدى شفيق..
(2) في نشأة عبد الله بن عباس.. بقية..
ولم يكن أحد من الناس يرى المَلَك جبريل عليه الصلاة والسلام.. فى أغلب الأحيان.. سوى الرسول بالطبع –وبشّر صلى الله عليه وسلم عمه العباس بأن ابنه سوف يكون عالمًا عظيم الشأن.. و لكنه سيصاب بالعمى قبل موته.. وربما كان سبب هذا هو النور المُبهر.. الذى يشع من كيان جبريل صلى الله عليه وسلم.. و لا تحتمله أعين البشر المخلوقة من الطين..وفى رواية أخرى أن جبريل رأى عبد الله بن عباس.. فبشّر النبى بأن هذا الصغير سيكون عالم الأمّة.. و حامل لواء السُنّة.. وقد تحققت كل تلك البشارات فى بضع سنين.. إذ تنبّه الصغير المُلهم إلى ضرورة حفظ علوم الإسلام- كالأحاديث الشريفة والفقه وتفسير القراّن الكريم والغزوات..
(3) بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم..
عرض رضى الله عنه الفكرة على أحد أصحابه من فتيان الأنصار.. قائلًا له: هيا بنا نسأل أصحاب النبى عن أحاديثه.. فإنهم اليوم كثير.. قبل أن يدركهم الموت.. فتخسر الأمّة بموتهم علمًا كثيرًا.. لكن الغلام الأنصارى سخر من الفكرة.. و قال له:عجبًا لك يا بن عباس! أتظن أن الناس يحتاجون إليك.. و فيهم مَنْ ترى مِنَ الصحابة؟!
وما هى الا سنوات حتى أدرك ذلك الأنصارى مدى ذكاء وصواب رأى ابن عباس.. عندما راّه يُعلّم الناس.. والألوف من طلبة العلم يزدحمون على بابه.. فندم على تقصيره.. و قال:هذا الفتى الهاشمى كان أعقل منى.. وقد أصاب عبد الله العلم بلسان سؤول- كثير السؤال عما لا يعلم- وقلب عقول- أى ذكى- يفهم ما يُلقى اليه من ألوان العلوم النافعة.. ويجتهد فى حفظها.. فكان يتردّد على بيوت الصحابة.. و ينتظر على أبوابهم بصبر..
وكثيرا ما هبت عليه الرياح والعواصف الترابية.. و لفحته حرارة الشمس الملتهبة.. فكان يصبر ولا ينصرف.. حتى يخرج صاحب البيت فيراه فيتأسف و يقول له: مرحبا بابن عم رسول الله.. لو علمت أنك تريدنى لجئت أنا إليك فى بيتك.. فيرد عليه ابن عباس بأدب طالب العلم:”لا..أنت أحق بالمجىء إليك” لأن ابن عباس هو الباحث عن أحاديث النبى وسنّته و سيرته.. و هو- فى سعيه لبلوغ غايته- لا يريد أن يزعج الصحابى.. أو أن يقطع عليه وقت راحته.. حتى تطيب نفسه ببذل ما عنده من العلم.. كما أنه يُطبّق أيضا قاعدة هامة.. هى أن التلميذ هو الذى يجب عليه الذهاب الى أستاذه ومُعلّمه.. و ليس العكس.. وقد كان رضى الله عنه يسأل عن الحديث أو المسألة الواحدة أكثر من ثلاثين من أصحاب رسول الله.. صلى الله عليه وسلم.. للتأكد من صحة الحديث.. والإطلاع على كافة آرائهم.رضى الله عنهم.. وهو نفس المنهاج الذي تعلمه البخاري وطبقه..
( 4 ) في علم ابن عباس رضي الله عنه..
سرعان ما اشتهر الفتى الهاشمى بغزارة العلم وتمام الفهم.. وأقبل عليه الراغبون فى تعلّم الحكمة من القراّن والسنّة.قال أحد من حضروا مجالس العلم:رأيت ابن عباس قام مقامًا تفخر به العرب-لو شاءت-على الناس أجمعين.فقد اجتمع ألوف من طُلّاب الحديث.. حتى ضاقت بهم دار ابن عباس والشوارع المجاورة.. فتوضأ رضى الله عنه.. وأخذ يجيب على كل ما سألوا عنه.. حتى فرغوا.. فزادهم من عنده أحاديث كثيرة لم يسألوا عنها.. إلى أن اكتفوا.. فقال لهم:أفسحوا لإخوانكم.فانصرف هؤلاء.. و جاء اليه ألوف غيرهم يسألون عن تفسير الكتاب الحكيم.. فأجاب على كل أسئلتهم.. و زادهم أضعافها.. ثم قال لهم: افسحوا لإخوانكم.. فدخل عليه ألوف غيرهم يتعلّمون الفقه والفرائض- والمواريث- فأفتاهم فى كل ما أرادوا.. و زادهم أضعافه.. ثم انصرفوا.. فدخل من يريدون السؤال عن السيرة وغزوات الرسول.. فأجابهم.. و زادهم من عنده أضعاف ما سألوا.. ثم فرغ منهم.. فدعا من يُريدون السؤال عن اللغة والشعر و تاريخ العرب.. فأجاب على كل أسئلتهم وزادهم من عنده أضعافا كثيرة.
يقول الراوى: فلو أن العرب كلها فخرت بابن عباس لكان لها كل الفخر.. فما رأيت هذا لأحد من الناس من قبل أو من بعد.. سوى النبى صلى الله عليه وسلم.. وقال أحد تلاميذه- ما رأيت ولا سمعت كلام رجل مثله.. و لو سمعته فارس والروم والترك.. لدخلوا فى الإسلام.. وقال معاوية بن أبى سفيان لعكرمة غلام ابن عباس:
إن مولاك- والله- أفقه- أي أعلم-من مات و من عاش.. وكانوا يسمونه: تُرجمان القراّن.. لأنه كان أعلم الناس بالتفسير.. وأسباب نزول الاّيات.. وأحكام الكتاب الكريم. .و كانوا يسمونه الحَبْر والبحر.. لكثرة علمه وإحاطته بكل ألوان المعرفة.. على نحو لم يجتمع مثله فى عقل و قلب رجل واحد.. بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام..
.. نكمل غدا إن شاء الله..
التعليقات مغلقة.