في جهاد الصحابة.. على هامش الحلقة / 621 “عبد الله بن عمر بقلم / مجدي سـالم
في جهاد الصحابة.. على هامش الحلقة / 621 “عبد الله بن عمر بقلم / مجدي سـالم
قدوة الصالحين في عصر الفتن”..
للكاتب / أحمد عبد الحميد عبد الحق.. نكمل..
ورعه الشديد:
حدث ابن جريج عن طاووس أنه قال: “ما رأيت رجلا أورع من ابن عمر رضي الله عنه”.. وقد ظهر هذا الورع في امتناعه عن الانضمام لإحدى الطائفتين اللتين اقتتلتا بعد استشهاد عثمان بن عفان – رضي الله عنه -.. مع إقراره بأن عليا – رضي الله عنه – كان أقرب إلى الحق.. فقد جاء عن ميمون بن مهران أنه (أي ابن عمر) دخل عليه رجل فسأله عن تلك المشاهد فقال: كففت يدي.. فلم أقدم.. والمقاتل على الحق أفضل..
وكذلك كان شديد الحذر والتحوّط في أمور الفتيا.. بعد أن طال عمره وصار مرجعا للناس يرجعون إليه فيما يعِنّ لهم.. فقد جاءه يوما رجل يستفتيه.. فأجابه قائلا: “لا علم لي بما تسأل عنه”؛ فلما ولى الرجل قال: “سئل ابن عمر عما لا يعلم.. فقال لا أعلم”..
ولم يكن ذلك لعجز فيه.. أو لأنه أراد أن يترك الرجل حائرا بمسألته.. وإنما ـ والله أعلم ـ لأنه أحس أن الرجل يريد أن يتخذ من فتواه ذريعة.. بدليل أنه جاء في رواية أخرى عن عقبة بن مسلم أنه (أي ابن عمر) سُئل عن شيء فقال: لا أدري.. ثم قال: أتريدون أن تجعلوا ظهورنا جسورا في جهنم تقولون: أفتانا بهذا ابن عمر.
وهذا الحذر لنفسه والورع الشديد جعله يأبى أن يلي من أمر المسلمين شيئا خشية أن يقصر في واجبه نحوهم.. وبعدما رأى من كثرة تَقوّل الناس على أمرائهم.. فقد دعاه يوما الخليفة عثمان – رضي الله عنهما -.. وطلب إليه أن يشغل منصب القضاء فقال: أوتعفيني يا أمير المؤمنين؟ فقال عثمان – رضي الله عنه -: لا.. فلما ألح عليه قال له: لا تعجل يا أمير المؤمنين.. ألم تسمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: “من عاذ بالله فقد عاذ بمعاذ” قال: بلى.. قال: فإني أعوذ بالله أن أكون قاضيا.. فقال عثمان – رضي الله عنه -: وما يمنعك من ذلك وأبوك كان يقضي بين الناس.. فقال له: بلغني أن القضاة ثلاثة: قاض يقضي بجهل فهو في النار.. وقاض يقضي بهوى فهو في النار.. وقاض يجتهد ويصيب فهو كفاف.. لا وزر ولا أجر.. وإني لسائلك بالله أن تعفيني”..
فأعفاه عثمان – رضي الله عنه – بعد أن أخذ عليه العهد ألا يخبر أحدا بهذا؛ حتى لا يمتنع الصالحون عن القضاء أسوة به.. فلا يجد عثمان – رضي الله عنه – من يعينه على القضاء بين الناس..
وأراد علي – رضي الله عنه – أن يوليه الشام.. ويستبدله بمعاوية فقال: يا أبا عبد الرحمن! إنك رجل مطاع في أهل الشام.. فسر فقد أمّرتك عليهم.. فرد عليه بقوله: أذكرك الله.. وقرابتي من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وصحبتي إياه.. إلا ما أعفيتني”..
ولما تنازل معاوية بن يزيد عن الخلافة أتاه مروان بن الحكم في نفر من الناس.. وعرضوا عليه أن يبايعوا له بالخلافة فقال لهم: وكيف لي بالناس الذين لا يرضون خلافتي من أهل المشرق (يقصد الشيعة)؟ فقالوا: تقاتلهم ونقاتلهم معك.. فقال ابن عمر: والله لو اجتمع عليّ أهل الأرض إلا أهل فدك ما قاتلتهم.. وفي رواية أخرى أن الناس أتوه فقالوا: أنت سيد الناس وابن سيدهم.. والناس بك راضون.. اخرج نبايعك.. فقال: لا والله لا يهراق فيّ محجمة من دم ولا في سببي ما كان فيّ روح..
وجاء عن ميمون بن مهران أن معاوية أرسل إلى عبد الله بن عمر من يقول له: يا أبا عبد الرحمن ما يمنعك أن تخرج تبايعك الناس.. أنت صاحب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وابن أمير المؤمنين.. وأنت أحق الناس بهذا الأمر.. فقال عبد الله: قد اجتمع الناس كلهم على ما تقول؟ قال: نعم.. إلا نفر يسير.. فقال عبد الله: لو لم يبق إلا ثلاثة أعلاج بهجر لم يكن لي فيها حاجة.. ولم يكن ذلك إلا لخشيته من الله – سبحانه وتعالى -.. يقول نافع مولاه: دخل ابن عمر الكعبة.. فسمعته وهو ساجد يقول: “قد تعلم يا ربي ما يمنعني من مزاحمة قريش على الدنيا إلا خوفك”.
وفي مسالمته للناس جميعا:
كان ابن عمر – رضي الله عنه – حريصا على مسالمة المسلمين جميعا.. يراهم أمة واحدة وإن اختلفت مذاهبهم.. لا يعادي منهم أحدا وإن خالف رأيه.. يقول يونس بن عبيد عن نافع أنه (أي ابن عمر) كان يسلم على الخشيبة (يقصد الشيعة من أتباع المختار بن أبي عبيد) والخوارج وهم يقتتلون.. ويقول: من قال “حي على الصلاة” أجبته.. ومن قال “حي على قتل أخيك المسلم وأخذ ماله” فلا؛ لذلك نال تقدير الجميع.. وما سمعنا عن أحد عاداه من أهل الفرق المختلفة.. .. نكمل المقال الختامي لسيرة ابن عمر إن شاء الله..
التعليقات مغلقة.