في جهاد الصحابة…مجدي سالم
الحلقة الرابعة عشر.. عمر بن الخطاب.. رضي الله عنه –5
3-13 كان “عمر” عفيفًا مترفعًا عن أموال المسلمين.. حتى إنه جعل نفقته ونفقة عياله كل يوم درهمين.. في الوقت الذي كان يأتيه الخراج لا يدري له عدا فيفرقه على المسلمين.. ولا يبقي لنفسه منه شيئا.. وكان يقول: أنزلت مال الله مني منزلة مال اليتيم.. فإن استغنيت عففت عنه.. وإن افتقرت أكلت بالمعروف..
وخرج يومًا حتى أتى المنبر.. وكان قد اشتكى ألمًا في بطنه فوصف له العسل.. وكان في بيت المال آنية منه.. فقال يستأذن الرعية: إن أذنتم لي فيها أخذتها.. وإلا فإنها علي حرام.. فأذنوا له فيها.. ولقد أصيب الناس بالمجاعة في عهده فغاب المطر وأجدبت الأرض.. فكان عمر يأكل الخبز والزيت ويقول: (والله لا أشبع حتى يشبع أطفال المسلمين).
4-13 وقد ظهرت صفاته الشخصية جليةً وقت حكمه كذلك.. فكان تقيّاً وَرِعاً.. شديداً على الكفّار.. متوسّعاً في الفتوحات.. حتى فُتحت في عهده الفرس والرّوم.. لكنّه وبالرغم من شدّته على الكفّار.. إلّا أنّه كان رحيماً عطوفاً على المؤمنين.. وقد ازداد عطفه وإشفاقه على المسلمين بعد توليه الخلافة إذ قال يوماً:
- (ثمّ إنّي قد وَلِيتُ أموركم أيّها الناس.. فاعلموا أنّ تلك الشّدة قد أُضعِفت.. ولكنّها إنّما تكون على أهل الظلم والتعدي على المسلمين.. فأمّا أهل السلامة والدين والقصد.. فأنا ألينُ لهم من بعضهم لبعض)..
5-13 ونجح الفاروق (رضي الله عنه) في سنوات خلافته العشر في أن يؤسس أقوى إمبراطورية عرفها التاريخ.. فقامت دولة الإسلام.. بعد سقوط إمبراطورتي “الفرس” و”الروم” – لتمتد من بلاد فارس وحدود الصين شرقًا إلى مصر وإفريقية غربًا.. ومن بحر قزوين شمالا إلى السودان واليمن جنوبًا.. لقد استطاع “عمر” (رضي الله عنه) أن يقهر هاتين الإمبراطوريتين بهؤلاء العرب الذين كانوا إلى عهد قريب قبائل بدوية.. يدبُّ بينها الشقاق.. وتثور الحروب لأوهى الأسباب.. تحرِّكها العصبية القبلية.. وتعميها عادات الجاهلية وأعرافها البائدة.. فإذا بها – بعد الإسلام – تتوحَّد تحت مظلَّة هذا الدين الذي ربط بينها بوشائج الإيمان.. وعُرى الأخوة والمحبة.. وتحقق من الأمجاد والبطولات ما يفوق الخيال.. بعد أن قيَّض الله لها ذلك الرجل الفذّ الذي قاد مسيرتها.. وحمل لواءها حتى سادت العالم.. وامتلكت الدنيا.
6-13 كان عمر دائم الرقابة لله في نفسه وفي عماله وفي رعيته.. بل إنه ليشعر بوطأة المسئولية عليه فيقول: “والله لو أن بغلة عثرت بشط الفرات لكنت مسئولا عنها أمام الله.. لماذا لم أعبد لها الطريق”.. - وكان “عمر” إذا بعث عاملاً كتب ماله.. حتى يحاسبه إذا ما استعفاه أو عزله عن ثروته وأمواله.. وكان يدقق الاختيار لمن يتولون أمور الرعية.. أو يتعرضون لحوائج المسلمين.. ويعد نفسه شريكًا لهم في أفعالهم..
- واستشعر عمر خطورة الحكم والمسئولية.. فكان إذا أتاه الخصمان برك على ركبته وقال: اللهم أعني عليهم.. فإن كل واحد منهما يريدني على ديني..
رابع عشر.. في إستشهاد عمر بن الخطاب روت أمّ المؤمنين حفصة – رضي الله عنها – أنّ أباها عمر بن الخطاب كان يسأل الله تعالى الشهادة في سبيله في بلد رسوله عليه السلام.. ولقد أجاب الله تعالى دعوته..
فقد خرج يوماً على المنبر يخاطب المؤمنين يقول لهم: - (إنّي رأيتُ رؤيا كأنّ ديكاً نَقرَني نَقرتين.. ولا أرى ذلكَ إلا لِحُضور أجلي)..
- ولقد أخبر عمر أسماء بنت عُميس برؤياه.. فأوّلت ذلك بأنْ يقتله واحدٌ من العجم.. فكان كذلك..
- ففي صلاة الفجر في يومٍ كان يسوّي الفاروق الصفوف ثمّ كبّر للصلاة.. فما إنْ كبّر حتى صاح: (قَتلَني الكلب).. إذ تلقّى طعناتٍ من مجوسيّ يُقال له (أبو لؤلؤة) أو (فيروز).. ثمّ هرب هذا المجوسيّ يقتل من يمرّ عليه من الناس فقتل سبعةً آخرين.. فأقبل إليه رجلٌ من المسلمين ألقى عليه بُرنساً ولفّه به.. فلمّا أيقن المجوسيّ أنّه قد أُلقي القبض عليه نحر نفسه فمات من فوره..
- وبقي عمر رضي الله عنه ينزف دماً بضع ساعاتٍ.. أرسل فيها إلى أمّ المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – يستأذنها أنْ يُدفن بجوار صاحبيه رسول الله وأبي بكرٍ فأذنت له.. ثمّ فارق الفاروق الحياة – رضي الله عنه – بعدها.. ودُفن كما سأل الله تعالى.. بمدينة صاحبه صلّى الله عليه وسلّم.. ..
ألقاكم غدا إن شاء الله…
التعليقات مغلقة.