في جهاد الصحابة…
مجدي سالم
الحلقة التاسعة عشر.. عثمان بن عفان.. رضي الله عنه -6
في تفاصيل هامة في فتنة مقتل عثمان بن عفان.. واتهامات الثوار له.. ولكل هذه الشبهات وغيرها جواب شافٍ في الكتاب المذكور فلنرجع إليه.. لكن إجمالاً.. أخذ الثوار عليه توليته لعدد من أقاربه الولايات كمعاوية ومروان بن الحكم.. وإنفاقه الأموال الضخمة على أقاربه من بني أمية.. وقد أثبت لهم عثمان أنه كان ينفق عليهم من ماله الخاص وكان أغنى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.. ونقموا عليه أنه عاقب عدداً من الصحابة كأبي ذر نفاه إلى الربذة.. وضرب ابن مسعود وغيره.. وأخذوا عليه جمع الناس على حرف واحد من الأحرف السبعة للقرآن.. وتحريقه المصاحف رغم أن ذلك حفظ القرآن بحفظ الله .. وأنه علا درجة في المنبر على درجة رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وقد انحط أبو بكر وعمر عنها.. ومنهم من كان يرى أنه خدع علياً وتولى مكانه وكان الأحق بالخلافة علي.. ثم إنه دخلت دوافع ومطامع شخصية كثيرة.. فمن هؤلاء من كان عاقبه عثمان بحد أو تعزير فنقم عليه.. ومنهم من طمع في المال.. ومنهم من أغراه لين عثمان ورحمته وإحسانه إليه.. ومنهم من كان ناقماً على الدين مثل عبد الله بن سبأ اليهودي الذي ادعى الإسلام وهو الذي قاد هذه الفتنة من خلف الأستار.. وثبت أنه جاء مع أهل مصر لقتل عثمان.. وكان يرمز لنفسه بالموت الأسود.. والسبئية اتباعه هم الذين كانوا سبباً في نشوب أكثر الفتن وظهور البدع والمقالات المخالفة للإسلام.
ثاني عشر.. في آثار الفتنة.. وذرائع يتخذها أعداء الإسلام وخصومه للهجوم على الشريعة وعلى العقيدة..
إنها الفتنة الأولى من بعد وفاته صلى الله عليه وسلم.. والقلاقل والاضطرابات والنزاعات التي كان الدين والإسلام منها براء.. أدت إلى مقتل الخليفة عثمان بن عفان في سنة 35 هـ ثم تسببت في حدوث نزاعات وحروب طوال خلافة علي بن أبي طالب.. ومن ثم بداية ظهور المذاهب في الدين رغم أنها بدأت لأسباب سياسية لا علاقة لها بالعقيدة.. لكن أعداء الإسلام واليهود وعلى رأسهم عبد الله بن سبأ انتهزوا فرصة الفراغ الحاصل لإحداث هذه الفرقة.. التي نعاني منها حتى اليوم..
1-12 كانت للفتنة الكبرى أثر كبير.. في تحويل المسار في التاريخ الإسلامي.. فتسببت بانشغال المسلمين لأول مرة عن الفتوحات بقتال بعضهم البعض.. كما تسببت ببداية النزاع المذهبي بين المسلمين.. فبرز الخوارج لأول مرة.. كجماعة تطالب بالإصلاح وردع الحاكم الظالم والخروج عليه.. كما برزت جماعة السنية الغلاة.. التي اتفقت على تقديم أهل البيت على جميع الناس.. وغالت في حبهم.. كما كانت من آثار الفتنة مقتل عددٍ مهول من الصحابة على رأسهم عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب.. كما كانت من أبرز تحولات المسار.. انتهاء عصر دولة الخلفاء الراشدين والخلافة الشوريَّة.. وقيام الدولة الأموية وبروز الخلافة الوراثيَّة..
2-12 يجب أن نعرف أن بداية الفتنة.. أن عثمان بن عفان لم يغير الولاة الذين عينهم عمر بن الخطاب عند توليه الخلافة.. وذلك لوصية عمر بأن يبقي على ولاته في مناصِبهم لمدة سنة بعد وفاته خِشية من تغيير مُستعجل يضطرب له أمر المسلمين.. كان ولاة عمر على الأمصار: أبو موسى الأشعري على البصرة.. وعمير بن سعد على حمص.. ومعاوية بن أبي سفيان على دمشق.. وعبد الرحمن بن علقمة على فلسطين.. وعثمان بن أبي العاص على البحرين.. وعمرو بن العاص على مصر..
3-12 كان عثمان يراقب عماله في أمور الدين والدنيا ولا يتأخر في عزل من ثبت تقصيره.. ثم بعد ذلك قام عثمان بمباشرة سلطته في العزل والتولية.. كانت الولايات تختلف فيما بينها من ناحية الأهمية اختلافاً شديداً.. فكان بعضها خطراً سياسياً وإدارياً وعسكرياً.. وهي الولايات البعيدة التي حررت من السيطرة الرومية والفارسية وكانت أربعة هي الشام ومصر والكوفة والبصرة.. وكانت كل واحدة من هذه الولايات تواجه جبهة مفتوحة نتيجة الفتوحات الإسلامية المستمرة.. وتنطلق من هذه الولايات جيوش المسلمين إلى التحرير في الجهات الثلاثة.. فكان بحر وبلاد الروم في مواجهة الشام.. وكان البحر وشمال إفريقيا في مواجهة مصر.. وكان ما لم يُفتح بعد من بلاد فارس أمام الكوفة والبصرة.. فكانت هذه الولايات الأربع موطن القوة الإسلامية العسكرية.. إضافة لذلك فقد كانت هذه الولايات مصدراً لثراء المسلمين وفيها حضارات مستقرة وأراضي خصبة وكان تأتي منها كل غنائم الفتوحات الإسلامية في الشرق والغرب والشمال.. فنجد أن الخارجين من المدينة كانوا يتوجهون إلى هذه الأقاليم الأربعة.. حيث كان الصالحون يلتمسون بها ثواب الآخرة في الجهاد والمشاركة في فتوحات المسلمين وكان المكتسبون يبتغون عرض الدنيا يتقلبون في تلك الأقاليم بين التجارة والزراعة وغير ذلك.. فلم يُلقِ عثمان أهمية للولايات التي لم يكن لها خطر سياسياً أو عسكرياً.. وأبقى على ولاة عمر في تلك الولايات ولم يغير منهم إلا القليل.. إلا أنه سارع في تغيير الولاة في الولايات الخطرة فور انتهاء العام الأول من حكمه.. وتفاصيل مجريات الأحداث في هذه الولايات طويلة ومعقدة.. (أحيل حضراتكم إلى “العواصم من القواصم”.. لإبن العربي تحقيق محب الدين الخطيب.. المكتبة السلفية بالقاهرة)..
.. ألقاكم على خير..
الصورة.. في داخل الكعبة وإليها تهوي القلوب..
التعليقات مغلقة.