في جهاد النبي والصحابة.. الجزء الثاني
بقلم : مجدي سالم
الحلقة الثانية.. بلال بن رباح.. رضي الله عنه..
مقدمة:
قدمنا أبا بكر الصديق في الحلقة الأولى.. ونقدم اليوم بلال بن رباح.. الذي يكفيه شرفا أنه كان مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم.. كان بلال علامة هذا التكافل بين أفراد الجماعة الإسلامية الأولى.. قمة من قمم الخير والعطاء.. حين أصبح هؤلاء العبيد بالإسلام أصحاب عقيدة وفكرة.. يناقشون بها وينافحون عنها.. ويجاهدون في سبيلها.. وكان إقدام أبي بكر.. على شرائهم ثم إعتاقهم دليلاً على عظمة هذا الدين.. ومدى تغلغله في نفسية الصديق.. .. وما أحوج المسلمين اليوم أن يحيوا هذا المثل الرفيع.. والمشاعر السامية ليتم التلاحم والتعايش.. والتعاضد بين أبناء الأمة التي يتعرض أبناؤها للإبادة الشاملة من قبل أعداء العقيدة والدين.
أما عن مقامه عند الصحابة فقد كان عمر.. يقول.. «أبو بكر سيدنا.. وأعتق سيدنا» يعني بلالاً..
وقد تضاعف أذى المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه.. حتى وصل إلى ذروة العنف.. وخاصة في معاملة المستضعفين من المسلمين.. فنكلت بهم لتفتنهم عن عقيدتهم وإسلامهم.. ولتجعلهم عبرة لغيرهم.. ولتنفس عن حقدها.. وغضبها.. بما تصبه عليهم من العذاب.
- أما عن إسلامه.. فقد كان بلال رضي الله عنه عبدا لأناس من بني جمح بمكة.. حيث كانت أمه إحدى إمائهم وجواريهم.. وحين بدأت أنباء الرسول صلى الله عليه وسلم تصل إلى سمعه.. أخذ الناس في مكة يتناقلوها.. وذات يوم كان الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر معتزلين في غار.. إذ مرّ بهما بلال بن رباح وهو يرعى غنما.. فأطْلع الرسول صلى الله عليه وسلم رأسه من الغار وقال.. “يا راعي هل من لبن.؟”
فقال بلال.. “ما لي إلا شاة منها قوتي.. فإن شئتما آثرتكما بلبنها اليوم” فقال الرسول صلى الله عليه وسلم.. “إيتِ بها”.. فجاء بها بلال ودعا الرسول الله صلى الله عليه وسلم بإناء فحلب فيه حتى ملأه.. فشرب حتى روي.. ثم حلب حتى ملأه فسقى أبا بكر.. ثم حلب حتى ملأه فسقى بلالاً.. ثم أرسلها وهي أحفل مما كانت..
ثم قال.. “يا غلام هل لك في الإسلام؟ فإني رسول الله”.. فوفقه الله وكانت نفسه مهيأة للإسلام.. فأسلم رضي الله عنه مباشرة.. وأمره النبي صلى الله عليه وسلم بأن يكتم إسلامه.. ففعل وانصرف بغنمه.. - قال عبد الله بن مسعود.. أول من أظهر الإسلام سبعة.. رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وأبو بكر.. وعمار.. وأمه سمية.. وصهيب.. وبلال.. والمقداد.. فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمه أبي طالب.. وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه.. وأما سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم أدراع الحديد.. وصهروهم في الشمس.. فما منهم إنسان إلا وقد واتاهم على ما أرادوا.. إلا بلال.. فإنه هانت عليه نفسه في الله وهان على قومه.. فأعطوه للولدان.. وأخذوا يطوفون به شعاب مكة.. وهو يقول.. أحد.. أحد..
- لم يكن لبلال.. ظهر يسنده.. ولا عشيرة تحميه.. ولا سيوف تذود عنه.. ومثل هذا الإنسان في المجتمع الجاهلي المكي.. يعادل رقمًا من الأرقام.. فليس له دور في الحياة إلا أن يخدم ويطيع.. ويباع ويشترى كأي سلعة.. أما أن يكون له رأي.. أو يكون صاحب فكر.. أو صاحب دعوة.. أو صاحب قضية.. فهذه جريمة شنعاء في المجتمع الجاهلي المكي تهز أركانه وتزلزل أقدامه.. ولكن الدعوة الجديدة التي سارع لها الفتيان.. وهم يتحدون تقاليد وأعراف آبائهم الكبار لامست قلب هذا العبد المنسي.. فأخرجت إنسانًا جديدًا على الوجود.. .. فقد تفجرت معاني الإيمان في أعماقه بعد أن آمن بهذا الدين.. وانضم إلى محمد صلى الله عليه وسلم وإخوانه في موكب الإيمان العظيم..
- وها هو الآن يتعرض للتعذيب من أجل عقيدته ودينه.. فقصد وزير رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق.. موقع التعذيب وراح يفاوض أمية بن خلف فقال له.. “ألا تتقي الله في هذا المسكين؟ حتى متى!”
- قال.. أنت الذي أفسدته فأنقذه مما ترى..
- فقال أبو بكر.. أفعل.. عندي غلام أسود أجلد منه وأقوى على دينك أعطيكه به..
- قال.. قد قبلت.. هو لك.. فأعطاه أبو بكر الصديق.. غلامه ذلك وأخذه فاعتقه.. .. وفي رواية.. اشتراه بسبع أواق.. أو بأربعين أوقية ذهبًا.. فما أصبر بلالاً وما أصلبه فقد كان صادق الإسلام.. طاهر القلب.. ولذلك صَلُبَ.. ولم تلن قناته أمام التحديات وأمام صنوف العذاب.. وكان صبره وثباته مما يغيظهم ويزيد حنقهم.. خاصة أنه كان الرجل الوحيد من ضعفاء المسلمين الذي ثبت على الإسلام فلم يوات الكفار فيما يريدون.. مرددًا كلمة التوحيد بتحدٍّ صارخ.. وهانت عليه نفسه في الله وهان على قومه..
- وبعد كل محنة منحة فقد تخلص بلال من العذاب والنكال.. وتخلص من أسر العبودية.. وعاش مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بقية حياته ملازمًا له.. ومات راضيًا عنه مبشرًا إياه بالجنة.. فقد قال صلى الله عليه وسلم لبلال.. ” فإني سمعت خشف نعليك بين يدي في الجنة”.. ألقاكم غدا إن شاء الله..
التعليقات مغلقة.