في جهاد النبي والصحابة..
بقلم / مجدي سـالم
الحلقة السادسة والأربعون..
حذيفة بن اليمان.. المجاهد (2)
خامسا.. في جهاده..
شارك حذيفة رضي الله عنه في كافة الغزوات والفتوحات التي قادها رسول الله صلى الله عليه وسلم.. باستثناء بدر.. وذلك لأنّه كان مسافراً قبل الغزوة فوقع أسيراً عند الكفار.. حيث أخبرهم أنّه مسافرٌ إلى المدينة.. وليس له أي علاقةٍ بالمسلمين او بمحمد ووعدهم بأنّه لن يقاتلهم.. وعندما وصل إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم أخبره بأنّ الكفار يعزمون على مهاجمة المسلمين.. فمنعه الرسول من المشاركة في الغزوة وذلك حتى يحافظ على وعده..
- ويذكر أنه قتل الصحابي اليمان.. والد حذيفة.. في معركة أحد بالخطأ على يد مجموعةٍ من المسلمين.. حيث جاء إليهم يصرخ.. ويقول لهم: “هذا أبي!”.. فاعترى المسلمون الحزن.. ولكنه نظر إليهم.. وقال: “غفر الله لكم وهو أرحم الراحمين”.. وانطلق بعدها إلى ساحة القتال يدافع عن الإسلام ويقاتل الكفار.. وبعد انتهاء الغزوة علم رسول الله عليه السلام بمقتل أبو حذيفة.. فأمر بإعطاء ديةٍ عن اليمان..إلا أنّ حذيفة تصدّق بها للمسلمين.
سادسا.. في مواقفه العظيمة.. وموقفه في معركة نهاوند.. - حيث احتشد الفرس في مائة ألف مقاتل وخمسين ألف.. وكان قد اختار أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لقيادة الجيوش المسلمة النعمان بن مُقَرِّن.. ثم كتب إلى حذيفة أن يسير إليه على رأس جيش من الكوفة.. وأرسل عمر رضي الله عنه للمقاتلين كتابه يقول: “إذا اجتمع المسلمون.. فليكن كل أمير على جيشه.. وليكن أمير الجيوش جميعًا النعمان بن مقرن.. فإذا استشهد النعمان فليأخذ الراية حذيفة.. فإذا استشهد فجرير بن عبد الله..”. وهكذا استمر يختار قوّاد المعركة حتى سمى منهم سبعة..
- والتقى الجيشان ونشب قتال قوي.. وسقط القائد النعمان شهيدًا.. وقبل أن تسقط الراية كان القائد الجديد حذيفة يرفعها عاليًا.. وأوصى بألاَّ يذاع نبأ استشهاد النعمان حتى تنجلي المعركة.. ودعا نعيم بن مقرن فجعله مكان أخيه النعمان تكريمًا له.. ثم هجم على الفرس صائحًا: “الله أكبر.. صدق وعده.. الله أكبر.. نصر جنده” ثم نادى المسلمين قائلاً: “يا أتباع محمد.. ها هي ذي جنان الله تتهيأ لاستقبالكم.. فلا تطيلوا عليها الانتظار”. – وانتهى القتال بهزيمة ساحقة للفرس.. وكان فتح همدان والريّ والدينور على يده..
- وشهد فتح الجزيرة ونزل نَصِيبين.. وتزوّج فيها..
سابعا.. في ولاية حذيفة..
وحين اختاره عمر بن الخطاب رضي الله عنخ لولاية المدائن.. خرج أهل المدائن لاستقباله.. فرأوا أمامهم رجلاً يركب حماره.. وأمسك بيديه رغيفاً وملحاً.. وهو يأكل ويمضغ.. وكاد يطير صوابهم عندما علموا أنه الوالي – حذيفة بن اليمان- المنتظر.. ففي بلاد فارس لم يعهدوا الولاة كذلك.. وحين رآهم حذيفة يحدقون به قال لهم: (اياكم ومواقف الفتن). قالوا: (وما مواقف الفتن يا أبا عبد الله؟) قال: (أبواب الأمراء.. يدخل أحدكم على الأمير أو الوالي.. فيصدقه بالكذب.. ويمتدحه بما ليس فيه).. فكانت هذه البداية أصدق تعبير عن شخصية الحاكم الجديد.. ومنهجه في الولاية..
ثامنا.. في فضل حذيفة بن اليمان.. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “ما من نبي قبلي إلا قد أعطي سبعة نُجباء رفقاء.. وأعطيتُ أنا أربعة عشر سبعة من قريش: عليّ والحسن والحسين وحمزة وجعفر وأبو بكر وعمر.. وسبعة من المهاجرين: عبد الله بن مسعود وسلمان وأبو ذر وحذيفة وعمار والمقداد وبلال”.. - وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأصحابه: “تمنّوا”. فتمنّوا ملءَ البيتِ الذي كانوا فيه مالاً وجواهر يُنفقونها في سبيل الله.. فقال عمر: “لكني أتمنى رجالاً مثل أبي عبيدة..ومعاذ بن جبل وحذيفة بن اليمان..فأستعملهم في طاعة الله سبحانه وتعالى”.
تاسعا.. من أقوال حذيفة بن اليمان.. لحذيفة بن اليمان رضي الله عنه أقوال بليغة كثيرة.. فقد كان واسع الذكاء والخبرة.. ومن ذلك قوله للمسلمين: “ليس خياركم الذين يتركون الدنيا للآخرة.. ولا الذين يتركون الآخرة للدنيا.. ولكن الذين يأخذون من هذه ومن هذه”
عاشرا.. ويوم حضر حذيفة رضي الله عنه الموت جزع جزعًا شديدًا.. وبكى بكاءً كثيرًا.. فقيل: ما يبكيك؟ فقال: “ما أبكي أسفًا على الدنيا.. بل الموت أحب إليَّ.. ولكنِّي لا أدري على ما أقدم على رضًا أم على سخطٍ”.. وقد تُوُفِّي بالمدائن في أحد أيام العام الهجري السادس والثلاثين.. رضي الله عنه وألحقنا به في الصالحين.. ألقاكم غدا إن شاء الله..
التعليقات مغلقة.