في جهاد والصحابة.. الحلقة الثانية والأربعون.. الحصار الإقتصادي في شعب أبي طالب (2)
في جهاد والصحابة..
الحلقة الثانية والأربعون.. الحصار الإقتصادي في شعب أبي طالب (2)
بقلم : المهندس مجدي سالم
البند الثاني.. كيف كانت أوضاع المحاصرين في شعب أبي طالب..
أولا.. الطبيعي أنهم أنفقوا كل ما كان لديهم من مال.. ثم راحوا ينفقون من أموال السيدة خديجة وأموال أبي طالب حتى نفد المصدران.. وكانوا يأكلون من كل ما ادخروه أيضاً.. ومما كان يصلهم بشكل سري من وقت لأخر. ولقد كان الإمام علي رضي الله عنه يأتيهم بالطعام سراً من مكة.. ولو أن المشركين علموا به لقتلوه حتماً.. لأنهم لم يكونوا ليسمحوا لأحد بخرق الحصار وإمداد المسلمين بالطعام والزاد.
ثانيا.. لم يكن يسمح للمحاصرين بالخروج من الشعب إلا في أيام المواسم.. موسم العمرة في رجب وموسم الحج في شهر ذي الحجة.. فكانوا يشترون ويبيعون في هذه الأيام.. وكانت عملية البيع والشراء هذه تتم في ظروف صعبة جدا.. حيث كانت قريش تلتقي بكل التجار الآتين إلى مكة وتشتري منهم السلع التي يحملونها بمبالغ خيالية شريطة ألا تصل إلى المسلمين المحاصرين.. وهكذا تمكنت قريش أن تقطع عن المسلمين الأسواق والطعام والسلع الحياتية والضرورية..
ثالثا.. كان المحاصرون يقاسون الجوع والحرمان في كثير من الأيام أثناء الحصار.. حتى لقد بلغ الجوع والحرمان حداً جعلهم يأكلون الأعشاب وأوراق الأشجار وكل ما يقع تحت أيديهم من نبات الأرض..
البند الثالث.. كيف انتهى هذا الحصار القاسي؟..
أولا.. يقول المؤرخون إنه بعد ثلاث سنوات متتالية تقريباً من المقاطعة والحصار.. أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عمه أبا طالب أن الأرضة قد أكلت كل ما في صحيفة المشركين التي تعاقدوا فيها على الحصار وزال كل ما فيها من بنود.. ولم يبق فيها إلا اسم الله عز وجل.. فصمّم أبو طالب إخبار المشركين بذلك.. فخرج رسول الله وأبو طالب من الشعب ومعه بني هاشم إلى قريش..
ثانيا.. فلمّا رأهم المشركون ظنوا أن الجوع من أخرجهم ليستسلموا.. فقالوا له :
- “يا أبا طالب لقد آن لك أن تصالح قومك”..
- فقال :” لقد جئتكم بخير.. إبعثوا إلى صحيفتكم فأتوا بها”..
فجاءوا بها.. ولمّا وضعت بين أيديهم.. - قال لهم أبو طالب :” هل تنكرون منها شيئاً؟”..
- قالوا :”لا.. هذه هي الصحيفة وعليها أختامنا”..
- فقال أبو طالب :”إن ابن أخي أخبرني ولم يكذبني قط.. أن الله قد بعث على هذه الصحيفة الأرضة فأكلت منها كل ما يدعو إلى القطيعة والظلم.. وتركت كل اسم هو لله. فإن كان صادقاً أقلعتم عن ظلمنا.. وإن كان كاذباً في ذلك ندفعه إليكم لتقتلوه”..
- فصاح المشركون :”أنصفتنا يا أبا طالب”..
فلمّا فتحوا الصحيفة فإذا هي تماماً كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.. فاندهش المشركون وكبّر المسلمون فتوجه أبو طالب إليهم.. - وقال :” أتبين لكم الآن أينا أولى بالسحر؟”.
رابعا.. ولكن زعماء المشركين لم يقتنعوا بذلك.. رغم أن هذه المعجزة كانت سببا في دخول جماعة من المشركين في الإسلام.. كما يذكر المؤرخون.. وهكذا استمر المشركون على العمل بمضمون الصحيفة التي تدعو للمقاطعة والحصار..
خامسا.. قامت جماعة من المشركين تربطهم ببني هاشم علاقات نسبية بنقض هذه الصحيفة.. وإبطال مفعولها.. بعدما رأوا أقربائهم من الشيوخ والنساء والأطفال يتألمون من الجوع والحرمان بفعل الحصار المفروض عليهم.
خامسا.. خرج الهاشميون حينئذ من شعب أبي طالب في السنة العاشرة للبعثة بعد معاناة طويلة..
البند الرابع.. ما بعد الحصار.. لقد ظن المشركون أن تجربة الحصار ستكون أقوى من سياسة التعذيب والتنكيل.. وكانوا يأملون أنها إذا لم تغيّر من موقف محمد صلى الله عليه وسلم.. فعلى الأقل فإنها سوف تعزله عن اسرته وعائلته.. ولكن النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي اختاره الله لرسالته لم يغيّر منه هذا الموقف شيئاً وازداد تصميماً على مواصلة تبليغ الدعوة الإسلامية.. ولم يزد هذا الموقف أهله وعائلته.. الذين اتبعوه وصدقوه إلا تمسكاً برسالته وتصميما بالدفاع عنه وعن الدعوة..
ألقاكم غدا إن شاء الله..
التعليقات مغلقة.