في حمى الصّخرة… بقلم بوعون العيد

في حمى الصّخرة… بقلم بوعون العيد

صرخة الفطيم بفقدان حُلمة ثدي أمّه ، وصرخة هذا الصّبي وهو يجوب الشّوارع تِيها،
هو يمشي الهُوينا يَحتمي بجدار عاد عليه الزمن بكلكله ، عَتاقة وقصْفا حتّى تلون بشتّى ألوان الألم والحُزن والأسى والحسْرة ، بُني… لقد أفزعَك الأزيزُ والدَّوي والصُّراخ فقضَّ مَضجعك فَهِمتَ على وجهك بحثا عن …؟ حتّى حِذاءك كان بِلونين الأحمر والأزرق ، كيف لا والخطب جسيم مروِّع مذهل ، مشتِّت للفكر ، مُذهب للعقل ، وأنت كذلك يافلذة كبدي يمتزج فيك الطّموح والحيوية والنّشاط بِحب الحياة والحريّة المطلقة رغم ما سيجته الأحداث فبات الكلّ غريب الدّار والأهل .
بني لقد أرْقلتَ سيرا ، وتباطأت مِشية إلى أن أوفقتك من هي أرقُّ من قلب البشر، بل هو أصْلد منها . صغيري بِقعدتك وانحنائِك مُتوسّدا صخرة كانت أَلين وأرقّ مشاعر ممن تكالبوا عليك وبني جِلدتك ، صغيري لقد كانت لطيفة ناعمة لكأنّها تُمازحك فتبسَمت نائما بيدين مَسدولتين .
بني وضعت خدّك على خدّها وهمَست في أذنها مُناجيا وقلت : باللّه عليك ألاّ تُخبري عنّي ، فقالت: كيف لا أخبر عنك وأنت مكشوفا عيَانا ، فردّ كيف يراني الأعداء وأنت تحميني ، فقالت : صبرا وهدّء من روْعك ، فصمت قليلا ثم قال : عمّتاه أين أمّي وأبي لم أرهما مذ .. فقالت : وما السبب …؟
فقال : ألستِ أنت وأخواتُك ممن كان حتْفهما على أيديكن فردّت الصّخرة قائلة : عذرا لكل أجل كتاب وجعل الله لكل شيء سببا ، فقال : لست مؤنّبا ولا منتقما ولكنّني مكلوم مفؤود متحسّر ليس لي وُجهة ولا منقلب الا ما سيكفِينيه ربّي هو أعلى وأعلم خائنة الأعين وما تخفي الصّدور ، فردّت الصخرة: ليس لي ما أخفيه وقد تعلمه سوى أنّهما رحلا بعيدا إلى جوار ربهما فترافقا سويا الى دار بقاء بعدما كان في دار رحيل .
بني ما أمرّ رؤياك هاته وأنت غَضّ طري تمازح الرَّياحين شذى وتشارك الشَّحارير شدوا والفراشات حبورا وطيرانا ، لكن يا كبدي سرقوا أحلامك ، داسوا على جانِحتيك أفأدوك جَرّعوك الآلام وأبلعوك الغصّات والتَّنهدات فبت تفترش الأرض وتلْتَحِف السماء وأي سماء وهي حُبلى بالقذائف والغازات ، وأي أرض وهي ركام على ركام حتى الهواء بات عكرا نتنا وأضحى الكل يفتش عن الكل بين غرابيب الدثر .