في رحاب آية بقلم د.وجيهة السطل
وقفة غيرة مني على اللغة العربية،لغة القرآن الكريم.
عن اقتحام من لا يفقه اللغة، بحور ألفاظ القرآن الكريم،عن حسن نية، وتفسيرها بأسلوب استعراضي،بحثًا عن زخرف القول، وزينة الحياة الدنيا.
قال تعالى:{فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا} سورة مريم:٢٣
تتواتر على الواتس آب رسالة غريبة،يتناقلها القوم بإعجاب،لأن كاتبها بدأها بتشويق: ((هل سمعتم بفعل في اللغة العربية ثلاثي الأبعاد؟))
قال تعالى: ( فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة)
ثم زعم مزاعم لغوية، وعدّها معجزة لغوية من بيان القرآن الكريم.
فقال:
الفعل أجاء فعل يحمل ثلاثة معانٍ في قمة الدهشة…
“جاءها فاجأها ألجأها “في فعل واحد. والسبب في ذلك هو دخول ألف التعدية على الفعل “جاء”.
كان الفعل “جاءها”وحيدًا فأدخل اللهُ عليه (ألف التعدية) حتى يتعدّى الفعل إلى معنيين آخرين مع المعنى الأصلي فأصبح فعلًا ثلاثي الأبعاد…..
ما هذه اللغة العظيمة؟
كل التقنيات الحديثة دون تقنية كلام رب السموات والأرض لا تساوي شيئًا…
هذا غيض من فيض وهنيئًا لكل عاشق للغة الضاد)))
وهذا كلام، لم أجده سوى في صفحة تهتم بتفسير بيان القرآن الكريم. دون نسب لكاتبه.وهو رأي اجتهادي، لم يقل به أحد من علماء التفسير، ولم تحوه صفحات المعاجم، ولا يصح أن نبني عليه حكمًا،نطير به مع موجات العصر ونقول كلمة في القرآن الكريم ثلاثية الأبعاد!!!
ولنبدأ بعد الصلاة على النبي محمد وعلى آله:
الجذر اللغوي (جاء) فعل،ثلاثي،لازم .وكل مادلّ على حركة أو اضطراب من الثلاثي فهو لازم. فإذا ضمَّنّاه معنى فعل آخر متعدٍّ تعدى مثله.وقد ورد بهذا التضمين في القرآن الكريم من ذلك قوله تعالى:
١- {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ}الأعراف: ٤
٢-{فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} النمل: ٨
٣ {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ}- يس: ١٣
٤- {وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ}يوسف: ١٦
وفي الآيات الأربع ورد فعل (جاء) بمعنى أتى.
وأتى فعل متعدٍّ،كما نرى في قوله تعالى: .
{إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا (أَتَاهَا) أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}سورة يونس: ٢٤
أما (أجاءها) فلم يرد سوى مرة واحدة في القرآن الكريم في سورة مريم- عليها السلام- في سياق الحديث عن حملها بالمسيح عيسى -عليه السلام- وولادتها له.
جملة( فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة) مكونةمما يلي:
الفاء حرف عطف … عطف ما بعده على ما قبله و هو كالفاء قبله فحملته فانتبذت به فأجاءها المخاض. عطف للترتيب والتعقيب،أي بلا فواصل زمنية.
أجاء: فعل ماض مبني على الفتح،وها ضمير متصل في محل نصب مفعول به مقدم.المخاض: فاعل مؤخر مرفوع.
إلى جذع: شبة جملة متعلق بالفعل أجاء.
النخلة: مضاف إليه مجرور.
والمعنى: أجاء المخاض مريم إلى جذع النخلة،أي ألجأها، ودفعها دفعًا إليه،حين جاءها المخاض.
و للتوضيح “جاء و أجاء” مثل الفعلين (ذهب و أذهب) و (جلس و أجلس)الهمزة في المزيد على الثلاثي تفيد التعدية.
وأجاء على وزن (أفْعلَ) من المجيء. تقول جاء الرجل و تقول: أجأت أنا الرجلَ أي جئت به كرهًا لا طوعًا.
فالفعل (أجاء) يدل على الإلجاء بالإكراه و الاضطرار والدفع ، و هذه المعاني لا يفيدها فعل جاء.
فأجاءها المخاض: تقول:فجاء بها المخاض إلى جذع النخلة، فلما ألغيت حرف الباء جعلت في الفعل ألفًا لتصح التعدية؛فتحول تعبير (جاء بها المخاض) إلى(أجاءها المخاض)والإجاءة هي الحمل على المجيء مع الإرجاع والإكراه.
و تكون الجملة فأجاءها المخاض حين جاء، أي حل وقت ولادتها، وشعرت بآلامها.
وبكل ماذكرت جاءت كتب التفسير ،القرطبي،والطبري،
وغيرهما.
وبنحو الذي قلناه في ذلك قال أهل التأويل. وأجمعت النقول على اختلاف المنقول عنهم ومنهم :
ابن جريج وابن عباس: (فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ ) يقول: ألجأها المخاض إلى جذع النخلة
من جميع ما تقدم ندرك الفرق بين الفعلين جاء و أجاء الذي ذكره البيان القرآني العظيم ، مع أنهما من أصل لغوي واحد . أما معنى المفاجأة ، والكلمة ثلاثية الأبعاد.فهو بهارات من الكاتب.
والخلطة التي هلل لها غير صحيحة
أولًا -إن إلغاء الهمزة التي ادعى أنها جعلت الكلمة ثلاثية الأبعاد، تجعلنا نقرأ الكلمة (فاجاءها). أي بغلطة إملائية ففيها ألف زائدة بعد الجيم،وخطأ في رسم الهمزة ،أو لعله ظنها تكتب هكذا!!
ثانيًا- إن ادعاءه هذا هو قدح في اللغة العربية، وليس مدحًا ولا ثناء.فاللغة العربية تزهو على لغات العالم بثروتها اللفظية الهائلة من المفردات،ودقتها المتناهية، في إعطاء ألفاظ لتفاصيل المعاني، صعودًا وهبوطًا.فالحبيب غير المغرم غير المَتْبُول،غيرالمدلًه، غيرالمتيَّم، غير العاشق،غير الولهان، غير الشغِف.غير المُدنف. والهوى غير الصبَّوة،غير النَّجوى،غير الهُيام، غير الوجد،وهذه كلها درجات تتحدث عن مراحل تملك الحب من الحبيب.
ثالثًا-أن تحمل لفظة واحدة معاني ثلاثة،ليس مدعاة لفخر أي لغة بل منقصة وعيب وقصور…
فأرجو عدم تبادل هذا الكلام ،ووأده في مكانه، كيلا نسيء إلى لغة القرآن الكريم بحسن نيَّة.
وللجميع محبتي وشكري وتقديري.
التعليقات مغلقة.