في زفة عريس بقلم : د. ابراهيم مصري النهر
في ليلة من ليالي الصيف؛ بينما ينشر الكلوب أنواره الممتزجة بالفرحة والحبور في كل مكان، وتعم الزغاريد ودوي طلقات النار الأجواء.
جلس العريس على كرسي في الجرن أمام البيت، تراصوا أصحابه حوله جنبا إلى جنب مكوِّنين شكلا دائريا ويصفقون .
بالقرب منهم وعلى النور المتسلل من بينهم يجلس الآباء وكبار السن من المدعوين؛ يراقبون عن كثب الصراع القائم بين الشباب من العائلات المختلفة، وهم يتراشقون بالأغاني وأيهم يستطيع أن يجذب الحجالة إليه ويجعلها تجثو على ركبتيها أمامه.
قبل منتصف الليل ظهرت أم العريس بصينية الحناء المغموس بها عددا من الشموع المشتعلة؛ تربط خصرها بشال التقطته من على كتفي أبيه، تهز جسمها الذي تحمل باللحم، تعبيرا عن فرحتها، بعدما تفصد جبينها بالعرق وأُجْهِدت تماما، أخذ شاب صينية الحناء من على رأسها ورفعها على أطراف أصابعه متحركا حركة دائرية بهلوانية، والكل حوله يصفق ويردد خلفه: (الحنه الحنه يا بنات، أنا الحناوي يا بنات، أجرح وأداوي يا بنات ……..)
ظلوا هكذا حتى خبت شعلة الشموع وانطفأت، قام المحناوي بعدها بنقش كفي العريس وقدميه بالحناء، وقبض العريس كفيه فترة من الوقت حتى جفت الحناء ولم يغسلها حتى الصباح.
في الصباح فركها فوجدها خضبت كفيه وقدميه ومن يراه من الغرباء يعرف أنه العريس، قبل المغرب بساعات ذهب إلى أبعد بيت في العزبة من بيته، وجاءه المزين؛ حلق له شعره وذقنه وزيّنه وعطره، ومكث هناك حتى يحين وقت زفّته.
أتت عروسه وأجلسوها على كرسي في الدهليز وحولها الفتايات من أهلها يغنين لها (سلم أبوها اللي رباها للناس الزينين عطاها)، والعواجيز من مداعي العريس يهمسن في أذن بعضهن بعدما يحدقن ويمققن ليخرجن فيها عيبا، لم يجدن فيها عيبا فقلن حمراء الوجنتين.
ظلت هكذا بفستانها الأبيض محط أنظار النساء من أهل ومداعي العريس، وبعدما انتهوا من إطعام أهلها، أدخلوها غرفتها، وذهب الشباب قبل غروب الشمس لزفة العريس، وجدوه في أبهى صورة؛ جلباب أبيض، وشال زهري ينساب على كتفيه ويرمي طرفيه حول عنقه، والطاقية التي عوجها له الشباب إلى الأمام لتغطي نصف جبهته، ويمسك عصا خيرزان بيضاء معكوفة من أعلى، ويتبادلها بين كلتا يديه، لا أدري أقلقًا أم عياقة أم هما معاً؟.
وبدأت الزفة من الغرفة التي كان يتزين بها؛ شاب يطبل على الطشت، والباقون يصفقون، وأحدهم يغني والباقون يرددون خلفه: (عريسنا من دون العرسان عليه الريحه والريحان) و(عريسنا ماسك عود الفل العقبال الجدعان الكل)، وما أن يمشي العريس خطوات معدودة إلا ويجلسونه على الكرسي الذي يحمله أحدهم خلفه، ونحن الأطفال نزاحم الشباب ونمرق من بين أرجلهم لنرى العريس.
عندما اقتربنا من بيت العريس المطلي حديثا بالجير؛ علا صياح الشباب واختلط بدوي طلقات النار، حملوه على الأعناق وطافوا به ولولا الشياب لعادوا به ليعيدوا الكرَّة من جديد.
جاءت اللحظة التي ننتظرها نحن الأطفال بخروج أم العريس لترش الملح الحصى وحبات الحلوى على الرؤوس، ونتنافس ونتدافع في التقاطها.
قبل حلول الظلام انتُزِع العريس من الشباب نزعا، ودُفِع إلى غرفته دفعا، ومرت الدقائق وعشرات الدقائق وأهل العريس وأهل العروسة والمدعوون في انتظار أم العروسة وأخواتها يخرجن ملوحات بالمناديل الحمراء ومرددات كالعادة: (يا نخلة يا مفرعة شرفتي اخواتك لربعه)…..
لكن طال الانتظار وساد الصمت، وبدأ الهمز واللمز وتسلل بعض أهل العروسة من المشهد ناكسي الرؤوس….!
وأخذ بعض المدعوين يلسنون وذاع الخبر وانتشر كالنار في الهشيم!
سمع أخو العروسة شابا بجواره يهمس في أذن صاحبه، يطعن في شرف وعرض أخته ويضحك؛ استل مسدسه من تحت ابطه وأشهر فوهته في جبهته متزامنا مع خروجهن ملوحات بالمناديل الحمراء.
التعليقات مغلقة.