” في واحة الأبوة ” بقلم/ بوعون العيد
كانت الأيام حبلى بالأفراح ، والمسرات ، وكنا نسامر النجوم والكواكب على وقع لمّة العائلة ، وبين أحضان والدين كريمين نقضي أيامنا وليالينا ؛ نسعد بالعيش الرٌغيد، وهناءة الضمير ، وراحة البال ، كيف لا والحياة بسطت على مصراعيها ، ومدّت ذراعيها ، واكتست حلّة مزدانة بالبهجة ، والٱمال الواعدة ،وبقدر عطفهما نلنا لطفهما ؛ لكن تجري الرّياح بما لا تشتهيه السّفن . فبين دفتي كتاب الحياة محطّة حُبكت فيها الأحداث ، وتأزّمت ، وانفلتت لٱلىء الأيام السعيدة من خيط العمر ، وتناثرت ، وتفرّقت ، ودُفنت تحت الرّكام ؛ جرّاء قصف همجي من عدوّ غاشم ، دُكّت فيه المباني دكاّ ، حتى استحالت دورنا يبابا . تتراءى للناظر من بعيد أشباحا تخرج من عتمة الدخان و الغبار القاتم ، وفي وسط هذا الدمار جلسنا كعادتنا نتوسد ركبتي أسدنا الهصور ، طودنا الشامخ ، نخلنا السامق الباسق ، وواحتنا الفينانة ، وقد تربّع جلسة وهو ينظر الحوالي بوجه طلق ،متهلّل، حالم بغد مشرق بنور الوطن المفدى بسواعد أبناء غزّة المضرّجة بدماء الحرية ، لكأنّه يرى بريق النّصر مرتسما على محيّا فلذات الكبد ، وهم ينظرونه غبطة وحبورا . وبين الأنقاض رحلة تفتيش عن الذّات ، ووقفة للصمود ، ولحظة تأريخ تكتب بمداد الرّجولة وبُعد الهمّة ، ورباطة الجأش ، وقوة الشكيمة ، وقوة الإيمان ،وصلادة الموقف . حيث كان الصبية يضحكون حتّى القهقهة ، وهم يستمعون لحكايا الوالد ، وهو يرحل بهم من واقع الألم إلى عالم الأمل ، حتّى يمسح بعضا من صورة المشهد ، ويخفف من وطأتها رغم الفقد ، وما راعه من المنظر ، وما حلّ بالدار ، والأهل … تجاعيد وجهه تروي الكثير من …؟! لحيته التي مازجها الغبار تذكار ، وذكرى فاصلة بين مرحلتي حياة ، بسمة البنتين رونق عيش ، فرحة الصبي تشبه الماء الثّرّ ينعش الأرض، ويحيي الزّرع والضّرع . وهو كذلك باسم الثّغر ، متفئِد عن سَكنه ، وسُكناه ، وقد حال بينهما هادم اللّذات في اللقاء، واللقيا مرّة أخرى . رحلت ، ورحل معها كلّ جميل ،وبقيت شمائلها يرددها ما تبقى من حيطان الدّار ، وسقفها … هو موجوع، متفجّع يبكي دما ، وينزف حُرقة ؛ لكن هيهات أن يُري للأعادي قطّ ذلّ لأنّ شماتة الأعداء داء ، ولأنّه قدوة خِلفته ، وخَليفته بعد أن يوارى الثّرى ، ويكُتب لهم البقاء . وهاهو صابر متصبّر ، محتسب ، شاكر ، محوقل ، راض بقدر الله ، موقن أنّه وإخوانه مشروع شهداء ، وأن الٱخرة خير وأبقى ، وأن النّصر ٱت مهما عتت رياح الغطرسة ، والإحتلال ، وظلم ذوي القربى ، وتكالب المتكالبين ، وغفلة بني جلدته دونما وازع ، ولاغيرة ، ولانخوة تعيد مجد واعرباه ، وامسلماه ، وا معتصماه … وليعلم هذا الظالم المستبد أن تحت الرّماد لهيبا ، ومن
ومن يبذر الشوك يجني الجراح .
التعليقات مغلقة.