فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ..رؤية طبية مقال للدكتور /صبحي زُردق.
عندما لم يستجب قوم يونس عليه السلام فى قريته” نينوي” لدعوتهم إلى الإيمان ، ذهب غضباناً متأسفاً ، فتركهم و أراد أن يبتعد عنهم فركب البحر في سفينة مكتظة بالناس ، وفي خلال سيرها في البحر ضاقت بركابها وكادت أن تغرق، فقال ربانها: لا بد أن يلقي أحد الركاب بنفسه في البحر لينجو الجميع من الغرق. فجاءت القرعة على يونس عليه السلام، فألقى بنفسه في اليم فالتقمه الحوت ، فاجتمعت عليه ثلاث ظلمات: ظلمة الليل و ظلمة البحر و ظلمة بطن الحوت..
قال تعالى مصوراً مشهد الكرب العظيم الذى لحق بنبيه يونس عليه السلام (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)الأنبياء 87….
التحليل النفسي للمشهد:
يتعرض كل إنسان منا للعديد من الابتلاءات في دنياه ،ابتلاء في المال أو الولد أو الأهل أو المال أو الدين أو الصحة أو زلازل أو حرائق و هو ما نسمية علمياً بــ” الكرب ” و الذى يعرفه العلماء بأنه الضغط العصبي السلبي الذى ينتاب الفرد عند تعرضه لمواقف و أحداث سلبية غير سارة و كاربة Stressful”
و في الطب النفسي ليس هناك أسوأ من الأحداث التى تهدد حياة الشخص أو حياة الآخرين أو شرف الإنسان و التى يطلق عليها الطب النفسي مصطلح ” الصدمات النفسية” psychological truama..
و بناءً عليه فإن موقف ابتلاع الحوت ليونس عليه السلام ووجوده في بطن الحوت العملاق هو نوع من أنواع” الصدمات النفسية ” التى ينخلع لها القلب حيث لا أمل في الإنقاذ من أحد و أصبح الموتُ داخل بطن الحوت هو الاحتمال الوحيد و الحتمي …و رغم كل ذلك الضيق و رغم الموقف الكارب و الخطر المحدق فقد استطاع الدعاء و التسبيح أن ينقذه من الموت الوشيك.
الدعاء يرفع البلاء:
و هى العبرة الأساسية و الدرس العظيم الذى يجب أن نتعلمه جميعاً من مشهد وجود يونس عليه السلام في بطن الحوت ، فمهما أحاط بك الكرب و ضاقت عليك السبل و شعرت بالعجز التام و ظننت بأن حلقاتها عليك قد استحكمت فإن الدعاء يرفع عنك ما تجد و تحاذر ،فمهما كان الكرب كبيراً فقُدرة الله أكبر..
و رُبَ شخص يقول :
و رُبَ شخص يقول في نفسه” أنا لست نبي كيونس عليه السلام” .. و كأنه يقول لقد استجاب الله ليونس لأنه نبي .. و هذا الظن باطل بعيد عن الحقيقة بل هو من وساوس النفس الأمارة بالسوء ووساوس الشيطان لتثبيط الهمة عن الدعاء و تعطيل اللجوء إلى الله .. فدعاء ذى النون يونس عليه السلام ينجي أي رجل مسلم و أي مؤمن يدعو به …
و يؤكد ذلك ما جاء عن سعد بن أبي وقَّاص قال: قال رسولُ الله ﷺ: دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنتُ من الظَّالمين، فإنَّه لم يدع بها رجلٌ مسلمٌ في شيءٍ قطّ إلا استجاب اللهُ له.( حسن)
و يؤكد ذلك أيضا قوله تعالى (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) الأنبياء
و أخيراً اعلم أخى المكروب إنه :مهما ضاقت بك الدنيا و كان الكرب كبيراً فقدرة الله أكبر و أن الرعاية الربانية أكبر بكثير من حساباتنا البشرية ،فلا مستحيل مع الدعاء …
كفانا الله و إياكم كل شر ، ما علمنا منه و ما لم نعلم…..
التعليقات مغلقة.