قابيل… بقلم مجدي سـالم
يومها بدأت آلام آدم.. عرف مرارة الحياة على الأرض بحق..
خرج آدم من الجنة مهاجرا.. واستن بذلك لأبنائه الأنبياء سنة الخروج.. دوما لا يكاد نبي يبدأ في دعوته إلى ربه حتى يضطره قومه إلى الخروج والهجرة.. وكان آدم أول رسول نبي لأبنائه..
عرف آدم أنه ودع السلام حين خرج من الجنة.. كان عليه أن يواجه شقاء وصراعا لا ينتهي.. كان عليه أن يشقى ليأكل وليحمي نفسه وزوجه وأولاده بالملابس وبالأسلحة.. وأن يواجه ظروف الأرض وهوامها ووحوشها.. وكان عليه أن يواجه روح الشر إبليس الذي ظل يوسوس له ولأولاده ليدخلهم الجحيم بعد أن أخرجهم من الجنة.. الشيء الوحيد الذي كان يخفف حزنه أنه جاء سلطانا على الأرض.. يزرعها ويبنيها ويعمرها وينجب نسلا يكبرون ويغيرون شكل الحياة عليها..
كانت حواء تلد في كل بطن إبنا وبنتا.. فيحل زواج إبن البطن الأول من البطن الثاني.. وكبر أبناؤه وتزوجوا وتناسلوا.. وعاش آدم يدعوهم لعبادة الواحد الأحد.. وقدر لآدم أن يرى أول حالة إنحياز من أحد أبنائه لروح الشر إبليس… وقعت أول جريمة قتل على الأرض.. قتل أحد أبناء آدم شقيقه.. قتل الشرير أخاه الطيب.. يقال أن القاتل كان يريد زوجة أخيه لنفسه.. فأمرهما آدم أن يقدما قربانا لله.. فتقبل الله من الأخ الطيب ولم يتقبل من الآخر..
- فقال الشرير.. لأقتلنك..
- قال الطيب.. إنما يتقبل الله من المتقين..
” فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنْ الْخَاسِرِينَ”..
على الشاشة البيضاء يبدو الأخوين.. يقول الشرير.. لأقتلنك.. يقول الطيب.. إنما يتقبل الله من المتقين.. واقرأ من سورة المائدة..
” وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ “..
لاحظ كيف ينقل الله كلمات الأخ الطيب بينما يترك تماما كلمات الأخ الشرير..
بعد أيام كان الأخ الطيب نائما.. وكان قد مات حمار منذ زمن في نفس المكان وبقي فكه ملقى على الأرض.. حمل الأخ الشرير الفك ورفع يده وأهوى بها بعنف وسرعة.. وانهال يضرب شقيقه حتى سكنت حركته.. أدرك القاتل أن شقيقه قد فارق الحياة.. وجلس القاتل أمام جثة الأخ القتيل صافنا..
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ” لاتقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها إنه كان أول من سن القتل “..
واحتار القاتل كيف وأين يخفي جريمته وماذا يقول لأبيه.. لم يكن البشر قد تعلموا الدفن.. حمل جثة أخيه وراح يمشي بها.. إلتفت القاتل على صوت غراب يصرخ فوق جثة غراب ميت.. ووضع الغراب الحي الغراب الميت في حفرة حفرها بمنقاره ورجليه ثم عاد ليهيل التراب عليه.. وعاد ليصرخ ثم.. طار.. وصنع القاتل صنيع الغراب.. ودفن شقيقه واندلع حزنه على أخيه كالنار وأحرقه الندم.. إكتشف أنه الأسوأ والأضعف.. سورة المائدة..
” فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ ۚ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي ۖ فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ “..
حزن آدم حزنا شديدا حين علم بالقصة.. خسر آدم ولدا.. وكسب إبليس ولدا..
التعليقات مغلقة.