قتيل الحب ..بقلم.. مدحت رحال
التقينا في اكثر من مقال مع واحد من صرعى الغواني ،
كالمجنون وقيس لبنى وكثير عزة وغيرهم ممن تمكن منهم الحب فأوردهم موارد الهلاك .
واليوم نلتقي مع شاعر من فحول الشعراء ، وفارس من كبار الفرسان صرعه الحب فأمسى بين الطلول قتيلا .
لم يلتفت كثيرون إلى قصة حبه ،
أو لعلهم أشاروا إليها إشارة عابرة .
فقد عرفوه شاعرا وفارسا أكثر مما عرفوه عاشقا .ولعله أول ضحايا الحب فيمن عرفنا من عشاق .
هو أول وأكبر المرقشَين
( المرقش الأكبر )
أما المرقش الأصغر فهو ابن أخيه .
عمرو بن سعد بن مالك البكري
واحد من أقدم الشعراء العرب ممن أرسوا وامرؤ القيس والمهلهل بدايات الشعر العربي في العصر الجاهلي .
سيد من سادات بكر بن وائل ،
شارك في حرب البسوس بين أبناء العم : بكر وتغلب
كان شابا جميلا ، تعلم القراءة والكتابة في الحيرة ،
وفد على الحارث ابن أبي شمر الغساني وعمل كاتبا له .
ويقال بأنه لُقب بالمرقش بسبب هذه الوظيفة ،
فالرقش تعني تنميق الكتابة وتحسينها .
وقيل سُمي بذلك لبيت من الشعر قاله :
الدار قفر والرسوم كما
رقش بظهر في الأديم قلم
بدأت مأساته عندما أحب ابنة عمه أسماء .
رفض عمه تزويجه أسماء إلا أن يُعرف بين الناس بالبأس ،
وأن يأتي الملوك ويكون له شأن .
أنطلق المرقش في البلاد ليبني له مجدا وصيتا إلى أن اتى ملك حمير الذي أعجب به وبشعره ونال حظوة لديه وأغدق عليه مالا وفيرا .
عاد إلى موطنه ممنيا نفسه بالزواج من حبيبته ليفاجأ بأن حبيبته قد توفيت أثناء غيابه أو هكذا زعموا .
ذهبوا به إلى قبرها ،
فأقام عليه الأيام والليالي يبكيها .
إلى أن علم مصادفة أن عمه أصابته فاقة فزوجها لرجل موسر من مراد ،
وأنهم خدعوه وأوهموه بموتها .
انطلق إلى ديار مراد بصحبة عبدين له ، وفي رواية عبد وزوجته .
وفي الطريق أصيب بمرض عضال ألجأه إلى كهف بالقرب من ديار مراد .
يئس العبدان من شفائه فتركاه في الكهف وعادا إلى الديار وادعيا أنه مات في الكهف متأثرا بمرضه
تقول الرواية بأن المرقش قد كتب قصته مع العبدين على رحله ،
وأن أخاه شك في قصة العبدين فانطلق إلى الكهف فلم يجد أخاه وقرأ قصة أخيه على الرحل ، فعاد وقتل العبدين
وتمضي الرواية فتقول بأن راعيا من مراد جاء صدفة إلى الكهف في اغنام للمرادي زوج أسماء ،
فاحتال المرقش إلى أن أقنع الراعي بأن يضع خاتمه في كوب اللبن الذي تشربه أسماء .
عرفت الخاتم وأن حبيبها في الكهف مشرف على الموت .
أسرعت وزوجها إليه ونقلاه إلى مضاربهما ،
وهناك يلفظ أنفاسه الاخيرة بعد أن يودع حبيبته بأبيات قال فيها :
سرى ليلا خيال من سليمى
فأرقني وأصحابي هجود
فبت أدبر أمري كل عام
وأذكر أهلها وهمُ بعيد
فما بالي أفي ويُخان عهدي
وما بالي أُُصادُ ولا أصيد
ومن شعره في أسماء :
أغالبكَ القلب اللجوج صبابة
وشوقا إلى أسماء أم أنت غالبه
وأسماء همٌ النفس إن كنت عالما
وبادي أحاديث الفؤاد وغائبه
بعض الروايات لا تذكر تسجيل قصة المرقش على الرحل ،
ولا قصة الخاتم
وأظن أن هاتين الروايتين قد تداخلتا مع :
قصة الزير سالم في العبدين اللذين غدرا به وقتلاه ،
فقال أبياتا تلتقي كثيرا مع أبيات المرقش ، وعرفت بناته منها أن العبدين قتلاه .
قال المرقش :
يا راكبا إما عرضت فبلغن
أنس بن سعد إن لقيت وحرملا
مَن مبلغِ الأقوام أن مرقشا
أضحى على الأصحاب عبئا مثقلا
لله دركما ودر أبيكما
إن أفلت العبدان حتى يقتلا
ومع قصة عروة بن حزام وحبيته عفراء في حكاية وضع الخاتم في كأس اللبن الذي تشربه الحبيبة فتعرف أنه خاتم حبيبها .
وقد نشرت قصته عام ٢٠١٩
وتبقى سِيَر العاشقين تطربنا من جهة ،
وتبعث في نفوسنا الأسى من جهة أخرى لما يلقونه من عذاب العشق والغرام .
يبقى لها ذلك الأثر على تقادم العهد والزمان .
وفي سِيَرِ الغرام لنا غرام
نلذ بها ويطربنا القريض
وأشعار لعشاق تَغنى
بها في القصف معبد والغريض،
القصف : اللهو واللعب
وأخصه المنادمة والإقامة على موائد الطعام والشراب .
غرام الثانية : شغف وحب لسِيَرهم
مدحت رحال
التعليقات مغلقة.