قراءة الأستاذ خالد القبوبي في نص” فزاعة أخرى” للأديب/ محمد أبو الفضل سحبان
النص ..فزاعة أخرى!
هرب منها مذعورا؛ استوقفه ….
ماذا هناك؟
وهو يلهث : أمي ميمونة!
هل ماتت؟
يبدو أنها لن تموت حتى نموت جميعا! لقد رأيتها قبل قليل تتحزم بالافاعي وتتخلخل بالعقارب!
ألم تسمع قول ذلك الولي الصالح فيها؟
-وماذا يقول؟
إنها مستجابة الدعاء
أ.محمد أبو الفضل سحبان/ المغرب.
القراءة
هل نقول: ما أكثر الفزاعات في بلادنا وثقافتنا كما يوحي العنوان؟ والفزاعة ما يطرد به الطير عن الزرع أن يجهز عليه. فعن أي طير يتحدث الزرع؟ وعن أي فزاعة؟
في النص شخصيتان حاضرتان وأخريان متحدث عنهما هما أمي ميمونة والولي الصالح.
الفاعلان ينجزان حدثين أحدهما حدث الهرب من هلع. والثاني حدث الاستيقاف الذي تولد عنه الحوار.
والنص عدا جملتيه الأوليين السرديتين حواري ولو ألغى الكاتب علامات تنقيط الحوار التي أضفتها مستسمحا.
الفار خوفا هو الهائب من الفزاعة وسنرى لمحاوره رأيا آخر في نعتها.
وما كنى عنه النص بالفزاعة سماه الحوار وهو أمي ميمونة.
وأمي فلانة بالشمال الإفريقي علامة توقير من سن أو فضل.
وأمي ميمونة في البلاد التونسية رمز إلى إيمان العجائز وهو إيمان في زعمهم صادق عميق يكسب صاحبه ما يشبه الكرامات أو المعجزات. ولعل الأمر هكذا ببلاد الغرب الإسلامي.
قيل في الخبر عن ميمونة واسمها من اليمن والبركة:” ربي يعرف ميمونة وميمونة تعرف ربي” وقيل إن أحدهم سمعها تقرأ في صلاتها: قفه( أي سلة) تطلع،
قفه تهبط
ربي يقبل”.
فاستنكر أمرها. وإذا هي تفرغ من صلاتها وكانت عند الشاطئ فتذهب إلى البحر لتستحم وإذا هي تمشي على الماء كما الخبر عن السيد المسيح عند بحيرة طبرية.” فهل رآها هذا المفزوع على هذه الهيئة الغريبة؟ أم أنكر فكرة الإيمان المخلوط بالعجيب ولا ثقافة وراءه ولا علم؟ هل ميمونة هي الفزاعة أي الفكر الديني اللامعقول وهذا الهارب بنفسه بل بدينه من هذا التدين التقليدي؟ وهل مسائله مثله أم هو على خلافه حسن الاعتقاد فيمن حذا حذو أمي ميمونة؟
الحوار كفيل بإيضاح ذلك. وطرفاه قد علمناهما.
المخاطبات سبع ثلاث للفار وأربع لمن استوقفه. والطريف أن السائل ينقلب مسؤولا في السادسة مجيبا في السابعة والحال أن الأمر خلاف ذلك فيما عدا ذلك
والتحول حصل عند ذكر خبر أو رأي أو حجة الشاهد القولي وهو رأي ولي صالح يمتدح ميمونة.
وهكذا نعرف المشرب الفكري الذي ينهل منه الفاعل الثاني. فثقافته سلفية يروي أحكامها ويعتتقها ويعمل على ترويجها. فرأيه في ميمونة من رأي ولي صالح فيها. ولعله في مثل ثقافتها وعين تدينها.
فزع الهارب ليس كذلك الذي استمع إلى صلاتها الغريبة فأنكرها في البدء لأن هذا أجلها وآمن بورعها ورضوان الله عنها لما رآها تمشي على الماء. بل هو فيما يبدو ذو موقف عقلي يأبى المكونة اللاعقلية التي تراكمت على ثقافتنا وحركة الهرب هي نأي بالنفس عن هذا المربع الديني أو كما يقول بعضهم هذا الفسطاط.
الفاعل الثاني ارتج عليه لما راج في ذهنه وفاة ميمونة أي أنه خشي أن يذهب النقد الديني بما تراكم مما ظنه من الدين. وفزعه زال بمخاطبة الهارب الذي طمأنه دون أن يدري وقصده أن هذا التوجه العقائدي متمكن من رقاب الناس يتعذر اجتثاثه بل ربما كان سبب انحطاط ثقافتنا وزوالها.
التحزم بالافاعي وتزيين الساق بالعقارب من لوازم الرقص. وفي بعض طقوسنا الصوفية والطرقية أشياء من هذا القبيل كالرقص حد الإغماء وأكل التين الشوكي وبلع المسامير والخطو على الجمر. وما في النص هو العجيبة التي توازي الخبر التراثي في سير ميمونة على الماء. السلف عد ذلك كرامة والمفزوع استشعر الخطر.
الآخر هو طقس الصلاة وهذا طقس الرقص. وفي المجتمع الوثني طقس الرقص من وجوه التعبد. والأفاعي والعقارب سامة قاتلة. وكرامة ميمونة تدجين هذه الكائنات المرعبة.
في شحاذ نجيب محفوظ أحلام بل هلوسات كثيرة يكابدها عمر الحمزاوي بطل روايته منها أن ممرضة تراقص الأفاعي والعقارب وتفسيرها أننا في المستقبل المنظور وبفضل التقدم العلمي سنقضي على كل الأمراض وستنشأ الألفة بين الكائنات جميعها ويحل السلام وتقوم المدينة الفاضلة. فهل خطاب ميمونة اللاعقلي يعني نفس الغاية؟
الفاعل المستشهد بالولي الصالح وهو من المكونة اللاعقلية في تراثنا يبدو مؤمنا شديدا بهذا التصور.
والنص بمعماره الفني يبدو ناقدا لهذه العقلية.
أ.خالد القبوبي / تونس
التعليقات مغلقة.